الفنانة أسماء فيومي: الفن ليس فوضى بل خلق خالص
تزدحم لوحات الفنانة أسماء فيومي بوجوه نساء وأطفال تربطهم علاقة حميمة مع الأرض مستوحاة من الأساطير السورية القديمة التي تعتبر وجه المرأة بمثابة أرض الوطن.. فرسمت المرأة ضمن المدينة ورسمتها داخل البيوت وهي تحتضن الطفل لأن المرأة والطفل هما اسطورة الخلق.
وتتحدث فيومي بلغة أقرب إلى الشعر في مقابلة مع سانا فتقول / إن المرأة هي رحم الأرض والطفل هو البرعم الذي سيحميها 00والمرأة الأم هي الوطن وحفنة التراب التي أردت أن أصل إلى وطني وأرضي من خلالها 00هي توأم المنازل والشبابيك والأبواب وتعريشات الكروم والنور المتسرب من وراء الأزقة والأسطح المتعانقة/.
بدأت فيومي الرسم عندما أمسكت القلم لأول مرة مدفوعة بموهبة نادرة وهاجس ظل يرافقها طوال حياتها فشجعها الأهل واحترموا موهبتها ورغبتها في دخول كلية الفنون الجميلة التي تخرجت منها عام 1965وبعد زواجها شجعها رفيق دربها غسان جبري ووقف إلى جانبها وعندما كبر الأولاد كانوا لها أصدقاء وعونا على انجاح تجربتها الغنية. .
واذا كانت الفنانة أسماء محظوظة بدعم من حولها الا أن الصعوبات كانت تأتي من المجتمع خارج محيطها العائلي انطلاقا من قناعة البعض بأن الفن يقتصر على الذكور..وهي تأسف لكون هذه الأفكار ما زالت تسيطر على الكثير من الناس ومنهم المثقفون الذين يشككون بقدرة المرأة على الابداع مقارنة بالرجل فيغمزون من قيمة الفن الذي تنتجه الفنانة مقارنة بنظيرها الفنان وهذا ما دفعها الى التحدي طوال مسيرتها الفنية.
وعن علاقتها بالألوان والأدوات تقول: الواني تأتي فجأة وتذهب فجأة فيسكنني اللون لفترة ويستولي على عيني لدرجة لا استطيع الفكاك منه.. وعندما اتحرر منه يسكنني لون آخر ولاأرغب في العودة الى اللون السابق الا عندما يتسرب قليلا قليلا في الزوايا ويصبح جزءا من رؤياي.
أما المواد فهي أحد مفاتيحها للتغيير وعندما تستخدم الكولاج بمواد نبيلة كالورق والخيوط الكتانية فان هذه المواد تنقلها بلطف للتحرر من التكرار وايجاد حلول جديدة.. فاللوحة مسألة تحتاج الى حل كمسألة الرياضيات عناصرها التكوين والتوازن والمضمون والعطاء العاطفي ضمن مقاييس التشكيل الأكاديمية بغض النظر عن الأسلوب سواء كان تجريديا أم واقعيا.. فالفن ليس فوضى بل هو خلق خالص والفنان الذي يرسم ما بداخله لا يمكن أن تكون أعماله تكرارا لأعمال غيره لأن لكل فنان داخله الخاص ومن هنا تعتبر الألوان والمواد وطريقة استعمالها خرقا لأساليب مكررة وعنصرا مساعدا على التجديد.
ولا تخطط الفنانة فيومي للانتقال من حالة إلى أخرى لذلك فإن مشاريعها المستقبلية تنطلق مما يعتمل في داخلها من حب وشوق وخوف وقلق ازاء كل ما يجري من حولها فتتابع بجدية كبيرة معاناة الانسان في كل بقعة من الأرض فكيف اذا كانت هذه المعاناة في وطنها الذي تحب../أنا لست مسيسة /تقول فيومي /لكنني أكره العنف وأخاف على بلدي واريد استعادة وطني الامن00 وفي هذا الوقت الصعب رسمت وأفرغت كل غضبي وأسئلتي على القماش الأبيض/.
وأضافت لدي الآن أكثر من عشرين لوحة قلقة متسائلة غاضبة بينها ثلاثية فرسمت في الأولى صراخا صامتا من خلال فم مطبق وعين مفتوحة إلى آخر حدود الانفتاح تريد أن تعرف ما الذي يجري وفي الثانية رسمت الرأس مرفوعا باتجاه السماء يسأل الاله إلى أين نحن ذاهبون.. وفي الثالثة عيون مغمضة لا تريد أن ترى ولكنها تطلب السلام/.
وتعود الفنانة فيومي بذاكرتها الى الستينيات من القرن الماضي عندما كانت تحمل حقيبتها على ظهرها وتتجه الى بساتين الزبلطاني لترسم الطبيعة00 لم يكن يعترضها أحد بل كان الفلاحون يقدمون لها كاسا من الشاي بكل احترام وهي ترسم 00وتتساءل بمرارة /ترى هل تستطيع الان أي شابة ان تمارس هذا الطقس الجميل بعد أن ملؤوا الرؤوس بالمحرمات/.
وكل ما تتمناه فيومي ان تستمر في الرسم دائما وأبدا الى لحظة الموت فهي تمارس طقسها الفني بالدخول الى مرسمها لعدة ساعات يوميا كما تمضي بعض الوقت في القراءة واكثر ما تحب قراءته هو الأساطير السورية القديمة وكل ما كتب عن سورية التي تحبها وهذا ما يدفعها الى الاكثار من زيارة المتحف الوطني بدمشق والتجول في حديقته تملؤها العزة بالانتماء لهذا الوطن الموغل في القدم والانسانية.
وتزور فيومي التي قاربت السبعين من العمر معارض الفن التشكيلي وتتابع أعمال الفنانين الشباب الموهوبين لتعرف كيف يفكرون وماهي أحلامهم وتنصحهم بأن لا يقلدوا أحدا بل يتبعوا احاسيسهم الداخلية بكل صدق 00كما تتابع أعمال الفنانين العالميين مشيرة إلى / أن على الفنان أن يطور نفسه من الداخل مهما تقدم به العمر/.
وخلال تجربتها الفنية على مدى خمسة وأربعين عاما أقامت الفنانة فيومي عشرين معرضا خاصا وأكثر من خمسين معرضا مشتركا مؤكدة أن الرسم هو لغتها وأن لوحاتها هي مرآة لتاريخها وتاريخ ما يحدث حولها.