”عشق آخر” …فيلم قصير يفضح تحول المجتمع المصري إلى مجتمع آخر
أحياناً قد لا يجد الإنسان خبزاً يتقوت به كي يحيا، ولكنه يستمر في الحياة من آجل حلم يؤمن به، لكن إذا أجبرته الظروف عن التخلي عن هذا الحلم، قد يموت ولو حتى توفرت له كل ظروف المعيشة، والموت هنا قد لا يعني
الموت الفعلي، بل الموت حياً وهو أصعب أنواع الموت. ترصد المخرجة الصاعدة هبة يسري في فيلمها القصير "عشق آخر"، حلم تؤمن به إحدى الفتيات، التي نشأت وترعرعت في أسرة فنية، الجدة تغني، والاقارب يعملون في المجال الفني، والاب نفسه عازف موسيقى، وعلى الرغم من هذا يقفون جميعاً ضد رغبتها في دخول معهد السينما، وبهذا ترصد هبة التحول الرهيب في المجتمع المصري خلال السنوات الماضية، والذي صار يعتبر الفن حراماً وبدعة، لدرجة أن الخالة كانت ترى أن فلوس الأب حرام، وهو ما اضطره لهجر العزف والعمل في مهنة لا ترتبط بالفن – وهو ما اثر على شخصيته وجعله متجهماً كارهاً لحياته – ، بل واختصر التحول المجتمعي على آثر الغزو الوهابي الفن في مجرد ممثلة تخلع ملابسها، وسمعة سيئة تحيط بكل أفراد الوسط الفني، مما اعتبره الاب تشويه لسمعته. ويبدو هذا الإختصار الحد لمفهوم الفن في الشارع المصري مؤلماً وحقيقاً تماماً، حيث يتصور البسطاء أن فنانيهم – الذين يعشقونهم ويقلدونهم بالمناسبة – يعيشون حياة منفلتة حسبما صور الإعلام الذي يعاني إنهياراً هو الآخر الوسط، مما ساعد على ترسيخ الفكرة الصحراوية للفن.
انتهى الفيلم على تساؤل هام حول منحة الرب التي يهبا للبعض على صورة موهبة فنية، فإذا كانت حراماً فهل يعذبنا الله بما يهبنا؟
الفيلم في حد ذاته بلداية مبشرة للغاية بمخرجة متميزة، تملك تلك العين اللاقطة ومشرط الجراح القادر على الولوج لجسد المجتمع وكشفه، وكذلك نجح في الإحتفاء بالسينما المصرية خلال عرض بعض المقاطع من افلام "نحن لا نزرع الشوك"، و"نهر الحب"، بل وكان من الرائع إحتفاء الفيلم ببعض الفنون الآخرى كالرقص والغناء، إلا أن اداء الممثلين شابه بعض المبالغة، وكذلك كانت "القطعات" أطول من اللازم في بعض الأحيان.
الإيقاع كان مناسباً لقصة الفيلم، وكذلك حركة الكاميرا والإضاءة.
فيلم عشق آخر.. فيلم يتناول حلم إنسان بمزاولة ما وهبه الرب، كي يعيش سعيداً ويكون قادراً على إسعاد الآخرين، الذين يرفضون هم ذاتهم السعادة من جانبهم، لأنهم يرونها حراماً.