ينحت في الذاكرة صوراً فائقة الجمال.. وادي أبو قبيس تنوع طبيعي ومقصد سياحي في حماة
بين أحضان الجبال الشاهقة يقع وادي أبو قبيس حيث تتعانق الصخور الكارستية الناصعة البياض مع الأشجار الخضراء لتنحت في الذاكرة صورة فائقة الجمال لواد يزينه الاخضرار من كل حدب وصوب على وقع هدير شلال وخرير ينابيع تتفجر من تحت كل حجر.
وتشكل المناظر الطبيعية في الوادي عنصر جذب سياحي كبيرا يستمد غناه من التنوع الحيوي الذي يميزه عن غيره من المناطق الجبلية فتركيبته الفريدة تقع بين ثلاث قمم شاهقة من الغرب والشمال والجنوب ويكسوها خليط بانورامي من الأشجار المتوسطية وفي مقدمتها "الجوز والصنوبر والسرو والسنديان والغار والزعرور والبلوط والقطلب والزيتون و اللوزيات التي تعد امتدادا لغابات الجبال الساحلية".
كما يتفجر في وادي ابو قبيس من الصخور الكارستية أغزر ينابيع حماة هو نبع أبو قبيس الذي يستمد اسمه من اسم القرية التي ينبع منها فهو دائم الجريان صيفاً وشتاءً ويروي البساتين المشرفة عليه وكذلك المتنزهات التي أقيمت على جانبيه بامتداد 6 كيلومترات ويتميز بمياهه النقية التي تنساب على شكل مساقط وشلالات مائية وظفت جميعها في الحركة السياحية.
رئيس بلدية ابو قبيس محمد علي عبد الله يبين أن وادي أبو قبيس إلى الغرب من حماة بحدود 55 كيلو مترا على السفح الشرقي لسلسلة الجبال الساحلية يحتضن أربع قرى وادعة هي أبو قبيس والخرائب والكنائس وبيرة الجبل يقطنها نحو 6 الاف شخص وكذلك أربع مزارع العروبة وجسر العرائس وبيرة الجبل ومشتى بيرة الجبل الأمر الذي يعطي لموقعه اهمية قصوى كونه يشكل صلة وصل مرورية بين ثلاث محافظات حماة وطرطوس واللاذقية.
كما تشكل محمية أبو قبيس عنصرا رديفاً أساسياً للسياحة بشكلها الواسع في الوادي تختص بالسياحة البيئية حيث يؤمها مصطافون بهدف التعرف على تفاصيل المحمية النباتية والحيوانية ولإدارة المحمية جانب متمثل بتنشيط هذه السياحة التي تقوم في الغالب على السير داخل الدروب والممرات الترابية فيها
ويبين فادي المحمود مدير المحمية انها تسهم بامتدادها الواسع على 3 آلاف و764 هكتاراً في تفعيل النشاط السياحي وتتميز بتباين تضاريسي وجغرافي كبير يتمثل في الارتفاع عن سطح البحر الذي يبدأ من 260 متراً في أخفض نقطة شرقا وحتى 1337متراً في أعلى نقطة وهو ما منح المنطقة خصوصية فريدة من نوعها من حيث الهطلات المطرية التي تتراوح بين 650 و1000 ملم.
ويشير إلى انها تعتبر من أهم المحميات في المنطقة الوسطى وتضم تنوعاً كبيراً لاصناف وفصائل الحيوانات والطيور والنباتات والزواحف النادرة التي سجلها ووثقها عدد من الخبراء الباحثين الدوليين والوطنيين كما أن الاختلاف بين مناطق المحمية وتعدد الواجهات المناخية لها نتج عنهما تباين في أشكال الموائل الطبيعية بدءاً من الأراضي المنخفضة في المحمية وحتى أعلى الحراج والغابات.
أما عدد أنواع النباتات المسجلة من خلال الدراسات فوصل إلى 509 أنواع ستة منها ذو اصول برية لأشجار مثمرة و53 يستخدم في مجالات طبية وعلاجية و12 من نبات الأوركيد وهو من الفصيلة السحلبية ذات الأهمية الخاصة محلياً وعالمياً و30 شجرياً و145 نوعاً رعوياً اضافة إلى أنواع أخرى نادرة الانتشار لم تسجل إلا ضمن أماكن محدودة في سورية.
ويلفت المحمود إلى وجود تنوع حيواني فريد تم توثيق الكثير منه من خلال المشاهدات الحية والمسوحات التي أجريت عام 2009 مبيناً أن عدد الأنواع المسجلة حتى الآن 35 نوعاً منها 19 من الزواحف البرمائيات و16 من الثديات ومن هذه الأنواع السلمندر الناري وغزال اليحمور والنيص والخنزير البري والذئب الرمادي والثعلب الأحمر والسنجاب الفارسي.
ووفقا لمدير المحمية تحوي المحمية تنوعاً كبيراً من الطيور وذلك نتيجة تعدد الموائل كالأجمات والشجيرات التي تناسب الهوازج وطيور الحجل والغابات العالية الكثيفة التي تلائم طيوراً من نوع نقار الخشب السوري وديك الغاب فضلا عن انها تشكل عنصراً مهماً من عناصر الجذب السياحي للمنطقة وتضيف رصيدا غنياً للسياحة البيئية في سورية عموماً.
وتقول محاسن صالح من أهالي الوادي "إن بساطة ووداعة وجمال المنطقة تترك اثارا جلية في خصال وطباع سكانها فهم ودودون محبون ومضيافون و في مجال عملهم يقسمون إلى قسمين الأول يعمل بالزراعة ويملك أراضي في سهل الغاب وبساتين للزيتون واللوزيات وهو المورد الرئيسي لهم أما الاخرون فيعملون في المجال السياحي والاصطيافي وهم إما مالكون لمنتزهات سياحية أو يعملون في هذا المجال أو يقدمون خدمات مرتبطة به".
وتضيف صالح يحمل أهالي المنطقة عادات وتقاليد أبناء جبال الساحل المرتبطة بالتاريخ والقيم لذلك نجد التشارك في كافة مناسبات الأفراح والأحزان ولباس أهل الوادي تغير كثيراً خلال الثلاثين عاماً المنصرمة والذي تماشى مع تطور العصر بالرغم من محافظة كبار السن على لباسهم التقليدي المكون من الشروال والعقال للرجال و الثوب الطويل للنساء..
ويبين طلال عبد الرحيم صالح صاحب منتزه أن نحو مليوني سائح يرتادون ابو قبيس سنويا وهم في الغالب من أبناء المحافظات بالدرجة الأولى ثم العرب فالأجانب بقصد الاستجمام والخلود للراحة والتجول في الاماكن السياحية والأثرية مشيرا إلى أن العامل السياحي للوادي يقوم على ثلاث قواعد هي الطبيعية والآثار والمتنزهات التي يتجاوز عددها 90 اذ تعطي حيوية وحركة للمنطقة وتوفر للسائح طيب الإقامة لكونها مصممة وفق المبتكرات السياحية من شلالات وجداول مياه ونواعير ومغاور وسقوف قرميدية ومسابح وغيرها اضافة إلى وجود بعض المقاصف المصنفة سياحيا بين درجة ودرجتين وهي تقدم الأكلات الشعبية بأنواعها المختلفة إلى جانب الغربية.
ويقول صالح "إن للوادي سمعة سياحية طيبة وله أيضاً مستقبل سياحي واعد لكنه بحاجة إلى الكثير من العناية والاهتمام السياحي وايجاد فنادق سياحية توفر خدمات الإقامة والتي تقتصر إن وجدت الان في غالب الأحيان على الاقامة في المنازل أو الشقق السكنية" معتبرا وجود الفنادق بانه يساعد على بقاء السائح فترة أطول وتاليا دعم الحركة السياحية وتنشيطها.
ويشير صاحب المنتزه إلى أن أصحاب المنتزهات يحتاجون قروضا سياحية لتطوير منشاتهم ورفع مستواها الفني والخدمي لزيادة إمكانية تحويلها إلى منتزهات اصطياف وإقامة مطالبا بضرورة الاهتمام اكثر بالأنشطة السياحية وخاصة المهرجانات التي تعد نقطة استقطاب كبيرة مع العمل على اطلاق مهرجان تحت اسم مهرجان ابو قبيس السياحي للتعريف بهذا الوادي مع التركيز الإعلامي وخاصة التلفزيوني على المقومات السياحية فيه ولا سيما قبل بدء الموسم..
كما تضفي قلعة أبو قبيس الأثرية على الموقع السياحي عنصراً تاريخياً فريداً خاصة لجهة الموقع الذي يتربع على قمة تطل على الوادي اضافة إلى التصميم المعماري الفريد للقلعة المصممة على شكل مثلث رأسه من الشمال وقاعدته من الجنوب وتعود فترة بنائها إلى الفترة الرومانية حيث بنى الرومان مجموعة من الحصون على القمم الغربية للجبال الساحلية السورية منها مصياف وأبو قبيس وثم في مراحل لاحقة استولى على هذا الحصن بنو مرداس أحد أمراء حلب في القرن الحادي عشر الميلادي عند توسيع امارتهم ثم آلت إلى سلطنة محمود بن زنكي ثم للأمراء الأيوبيين فالمماليك ولا يعرف إن كان المغول قد هدموها عند اجتياحهم بلاد الشام في عام 1258 م.
ويقول عبد القادر فرزات رئيس دائرة الآثار بحماة إنه في الفترة العثمانية قلت أهمية القلعة وهجرت لتبقى عمارتها كما هي حاليا ممتزجة بأسلوب التخطيط والتحصين البيزنطي مبينا أن للقلعة طريقا معبدا بشكل جيد يمر عبر وادي أبو قبيس الجميل ويسهل مرور المجموعات السياحية وللحفاظ على هذا المعلم الأثري أجرت دائرة آثار حماة عدة عمليات ترميم لإعادة رونقها كما تقوم الان بدراسة لأجل إعادة ترميم بعض أجزائها.
ويشير فرزات إلى أن منطقة الوادي غنية بالآثار الرومانية والإسلامية ويوجد بالقرب من نبع ابو قبيس طاحونة قديمة من أقدم طواحين المياه في المنطقة وهي واحدة من أربعين طاحونة اندثرت كانت توجد على النهر موضحا أن الوادي غني أيضاً بالآثار الرومانية والتي هي عبارة عن مساكن قديمة وكنائس ومنها بقايا كنيسة في بيرة الجرد وأخرى في أبو قبيس.
ويبين بسام علي مهتم بالآثار أن قرية أبو قبيس المصنفة سياحيا تتوفر فيها بعض المرافق الخدمية المهمة مثل المركز الصحي ومدرسة للتعليم الأساسي لكن ينقصها بعض خدمات مثل مركز لطوارئ كهرباء ليكون قادراً على معالجة الانقطاعات الكهربائية وخاصة في الموسم السياحي عوضاً عن الاستعانة بمركز سلحب الذي يبعد 9 كيلومترات والحال ليس بأفضل لمركز الهاتف فنحن بحاجة إلى مركز هاتف على الرغم من توفر خدمة الهاتف السلكي من مركز هاتف سلحب.
ويضيف ان الطرق مخدمة بشكل جيد وتستوعب الاكتظاظ في الموسم السياحي الذي يفوق الالاف يومياً داعيا إلى دعم الطريق الذي يربط بين الساحل والداخل بالارصفة المتميزة والكورنيشات والإنارة السياحية لتلبي تطلعات السائحين ومضاعفة عمل مراكز الحرائق في المنطقة حفاظا على الثروة الحراجية والغابات.