تراجع الأعمال الدرامية السورية.. 20 مسلسلاً فقط من إنتاج القطاعين الخاص والحكومي
مع اقتراب حلول شهر رمضان وما يشهده عادة من عروض لأعمال درامية على شاشات نهار رمضان الطويل وأمسيات ما بعد الافطار، يعود الحديث عن الدراما السورية ليطفو على السطح
من جديد وسط تساؤلات حول تأثير الأزمة السورية بشكل عام وتضارب المواقف في الوسط الفني السوري ما يجري على وجه الخصوص على انتاج الدراما السورية لهذا العام، وما اذا كان قد تراجع أو تغير نوعياً أم لا. ويعود هذا الاهتمام نظراً لسيطرة الدراما السورية في السنوات الأخيرة على الشاشات العربية حيث تقدم هذه الصناعة سنوياً عشرات الأعمال المميزة، بين الكوميدي اللطيف والكوميدي الساخر والجدي الذي يتراوح في مواضيعه ما بين التاريخي العربي أو الدمشقي وصولاً الى مسلسلات تتناول قضايا اجتماعية وسياسية حساسة لم يسبق أن تجرأ صناع الدراما في العالم العربي على تناولها. الكاتبة الدرامية ايمان سعيد، كاتبة مسلسل سحابة صيف قالت لصحيفة انباء موسكو، لم تسارع الى ربط الدراما السورية عموماً بمتغيرات الحدث في سورية فقط، بل التأكيد على ربطها بواقع الحركة الانتاجية والأزمة الابداعية معتبرة أن الحركة الدرامية تبدأ بمنطق السوق والقدرة المالية الانتاجية ووصفت بالمخطئ كل من يعتقد بأن هذا الانتاج الفني المتزايد للدراما السورية والعربية يقوم فقط على الشرط الفني والابداعي.
وأحالت الكاتبة ايمان سعيد ازدهار الدراما الى أمرين، الأول نشاط شركات الانتاج الخاصة، والثاني توفر الزبون المستهلك لهذا المنتج الدرامي.
وأشارت في حديث مطول لـ أنباء موسكو أن ازدهار الدراما العربية عموماً في السنوات الأخيرة كانت لجهة الكم مع تعليق اشارات استفهام كبيرة حول ان كان ازدهارها نوعياً . وعليه فاللعبة الدرامية محكومة لمنطق السوق وحركة انتاج تلك الآلة المحركة للعملية والتي تكون أسبق على موضوع النص الدرامي ومدى توفره وحتى مدى جودته وأسبق على خيارات المخرج وتطور تقنياته الفنية وأدواته وطبيعة الطاقم الفني بكل تفاصيله وممثليه وفنييه والمسؤول مع المخرج على نقل خيال الكاتب من الورق ليحقق في واقع الصوت والصورة عبر شاشات الفضائيات حسب رأي ايمان سعيد.
واستبعدت الكاتبة أن يكون واقع الدراما متأثراً بأحداث هذا العام بغض النظر عن تسمياته من ربيع عربي أو حتى خريف معتبرة في غضون ذلك أن منطق التغيير الذي يسيطر على مزاج المنطقة عموماً وواقعها يعكس آثاره بشكل واضح على الدراما ليس فقط من حيث المضمون الفني والفكري وطبيعة الأحداث بل من حيث شكل الانتاج الذي يبدو في حدود أدنى من السنوات السابقة سواء في سورية أو مصر، وأضافت ليس سراً القول بأن بعض الشركات الخاصة هي ملكية لبعض من رجالات دولة مرتبطين بالأنظمة سواء بصفة رسمية أو غير رسمية.
ومنهم في مصر على سبيل المثال جمدت أرصدته أو تم ترحيل أمواله لخارج البلد. وبعضهم في سورية مثلاً قد جاء تحت بند العقوبات الدولية التي أعاقت حركته المالية.
وبعض آخر من هذه الشركات هو يعمل بصفة منتج منفذ لأموال تقدمها فضائيات تلفزيونية عربية معظمها من الخليج التي ربطت طبعاً هذه المساهمة بمنطق المواقف السياسية. فالسياسة لاعب قوي في كل شيء والفن ليس استثناء في ذلك … وقد توزع الأعمال الدرامية أو تُقاطع تبعاً للموقف السياسي في كل بلد تمثلها محطة.
ومن حيث مضمون الأعمال الدرامية لخصت سعيد المشكلة في أن بعض النصوص والأعمال وأقصد بالضرورة العمل الاجتماعي المعاصر فهي اما هربت من زمنها بتجاهل الحدث تماماً. أو أنها لن تبدو قادرة على مواكبته بصفته المتسارعة على هذا النحو … وقد يكون هذا أحد أسباب عدم تقديمي أي عمل درامي لهذا الموسم، وقد يرتبط ذلك بعدد من الأسباب الأخرى منها مثلاً العلاقة مع الرقابة اليوم ما هي حدودها وما هو شكلها وأين خطوطها الحمراء من غير الحمراء. أما من الناحية الفنية البحتة لازلت بداخلي أعيد الأسئلة حول ما اذا كانت أزمتنا الفنية أزمة انتاج ومنطق سوق أو أزمة ابداع حقيقية..
للأسف لا زلت أرى مشكلة الدراما العربية عموماً محكومة بنمطيتنا في الكتابة وباستسهالنا واستسخافنا بعقول الناس وذوقهم.. وعدم بحثنا عن التميز وخلق الهوية السينمائية أو التلفزيونية الخاصة.. لا زلنا مقلدين لنسخ جاهزة مصنعة في مكان آخر من العالم .
وجهة نظر أخرى حول واقع الدراما السورية اليوم عبر عنها الناقد الفني السوري سامر محمد اسماعيل مؤكداً تراجع الأعمال الدرامية السورية هذا العام بوجود قرابة عشرين مسلسل فقط من انتاج القطاعين الحكومي والخاص. واعتبر أن هذا أمر جيد بالنسبة لصناعة هذا النوع من الفن السريع سواء في صياغته بصريا أو في استهلاكه .
وما لفت اهتمام الأستاذ سامر محمد اسماعيل عدم رغبة القنوات العربية بقبول أي عمل عن الأزمة السورية، وكان في مقدمة هذه القنوات شبكة ام بي سي العربية السعودية، التي على ما يبدو لا تريد على شاشاتها أي عمل له علاقة بما يسمى بـالربيع العربي الذي يقول البعض أنه يعكس تخوفاً حقيقيا لدى القائمين على الشبكة من عدوى التظاهرات والانتفاضات الشعبية التي يُخشى من انتقالها الى أراضي المملكة ودول الخليج العربي عموماً ليتوقف بعد ذلك في حديثه لـ أنباء موسكو عند التأثير الكبير للدراما على مزاج المشاهد الخليجي وما تقوم به المسلسلات الرمضانية خصوصاً من دور في صياغة رأي عام بعيداً عن نشرات الأخبار وتقاريرها الدموية.
في هذا السياق يؤكد الناقد الفني السوري عدم وجود مشكلة حقيقية أو أزمة في توريد وتسويق ما تنتجه صناعة الدراما السورية على الرغم من كل ما يتردد عن حصار لأعمالها. فهذه الدراما تبقى رهن مزاجية الشركات الداعمة لها وهي شركات تفكر تفكيراً براغماتياً يتعلق دوماً بملء ساعات البث الطويلة والمواظبة على تقديم فرجة تلفزيونية جذابة نجح الفنانون السوريون في ترسيخ عادات مشاهدتها عبر نجومهم وممثلي الصفوف الأولى حسب قول سامر اسماعيل الذي عبر عن أسفه لهجرة أسماء عديدة من ممثلي الصف الأول الى الخارج وتصوير أجزاء جديدة من مسلسلي ملك التاكسي (أبو جانتي) لسامر المصري وصبايا لناجي طعمة خارج سورية.
معتبراً أن هذا يعكس رغبة لدى صناع هذه الأعمال في مناكفة خفية بن صناع القرار وفناني هذه المسلسلات. هذه المناكفة التي بلغت أوجها من انقسام حاد بين الدراميين السوريين ازاء الأزمة التي تعصف ببلادهم منذ 15 آذار مارس 2011.