ثوار أم مصاصو دماء في دمشق؟ أشلاء تلامذة “الياسمين” تتناثر في شوارع “الثورة”
اجل، لمن شاهد بالعين المجردة، اذا كان لا يزال هناك من ضمير مجرد، اشلاء التلامذة الذاهبين، بوجوه الياسمين، الى مدارسهم، واشلاء العمال، بالايدي المنهكة والازمنة المنهكة ايضاً، وهم في الطريق الى عملهم، واشلاء الامهات اللواتي قصدن السوق في الصباح الدمشقي
ا لذي طالما كان صباح الدهر فإذا به صباح الدم… هذا بعدما ضبطت مستندات ووثائق حول خطط مبرمجة، وممولة خارجياً، حول عمليات انتحارية في المساجد والمقامات الدينية لكي تكتمل، نهائياً، صورة الحرب الاهلية التي اذا ما مضت في الايقاع الحالي، فأين ستكون سوريا، واين سيكون العرب؟
ألم ينزع احد حراس مقام محيي الدين بن عربي الذي لطالما اغتسل بالله، شعاراً كتب على الحائط بتعليق رفات هذا الصوفي، والمفكر، العظيم، على حبل المشنقة لان الساطور الذي يستثيره شبق الدم لا تعنيه العظام بل يعنيه اضافة مقبرة الى المقبرة؟
اي ثورة؟ واي ربيع؟ واي اسلام؟ نقولها لأساقفة الثرثرة في اسطنبول (تحت عباءة الصدر الاعظم) وفي باريس(تحت قبعة القناصل)، وبينهم من يتصل بنا عاتباً، او لائماً، او مؤنباً، او مهدداً( بالساطور إياه)، فنحن لا يعنينا النظام، ولا اهل النظام، ونقول ذلك في عقر داره، بل تعنينا سوريا التي عندما تستضيف، في القلب، محيي الدين بن عربي فكيف لها ان تتحمل فتاوى ايمن الظواهري؟…
ترد علينا احدى القنوات التلفزيونية، الناطقة باسم تورا بورا وكل من يمت اليها بصلة، وتوحي لنا بأن هذه ما هي الا البدايات. بدايات ماذا؟ أليس كل الذين سقطوا صبيحة الخميس الاسود من اهل الشام، اي من اهل بردى، وليسوا من طائفة اخرى، ولا من مذهب آخر، ولا من عرق آخر؟ « شوام اصليون»، فما الخطيئة التي ارتكبوها حتى تكون تحية الصباح، ومن استشهادي من اجل الاسلام، اشلاء اطفالهم في اكياس من البلاستيك؟
مرة اخرى، لا يعنينا النظام، ولا اهل النظام، ولكن متى يتخلى الناطقون باسم المجلس الوطني عن تلك العبارة الغبية، والعقيمة، بأن النظام هو من فعل ذلك، كما لو ان» الاستشهاديين» ليسوا «ماركة مسجلة»، وكما لو ان احداً لا يعلم ما هي توجهاتهم العقائدية والى اي جهة ينتمون، وكما لو ان النظام» فرّخ» استشهاديين يَقتلون من اجله، ويُقتلون من اجله، وكما لو انه من مصلحة النظام إياه ان يستيقظ اهل دمشق واهل حلب على دوي الانفجارات بل على دوي الاشلاء…
بدايات، والآتي اعظم. واذا كانت الولايات المتحدة قد وضعت كل ثقلها في العراق للقضاء على ابي مصعب الزرقاوي الذي قتل من السّنة اضعاف اضعاف ما قتل من الشيعة، فهل تستطيع السلطة في سوريا، بامكاناتها المحدودة، ان تواجه الذين يتسللون عبر كل الحدود، ودون استثناء، وعلى ظهورهم كل ليل الامم وكل ليل القبائل؟
هذا يعني ان سوريا مضت بعيداً، وبعيداً جداً، في المستنقع الدموي. قيل لنا ان على» باب كل زقاق سيكون هناك ابو مصعب الزرقاوي». ولنتصور ماذا يحدث في كل مدينة سورية، وفي كل قرية، اذا ما فتحت الابواب، وهي مفتوحة على مصراعيها مالاً وعتاداً، بعدما قرر من قرر عسكرة المعارضة. لصاحب القرار ان يتنبه، وقبل فوات الاوان، الى ان عرقنة سوريا، وقد تعرقنت، والى ان افغنة سوريا، وقد تأفغنت، تعني ان المنطقة دخلت، وكما كتب ديفيد هيرست، في الهزيع الاخير من النهاية…
هل يكفي ان يقول ضيوف الشرف على ضفاف الدردنيل ان هذا عمل من اعمال النظام كي يغسلوا ايديهم، وضمائرهم، من المسؤولية، وقد اصبحوا، بعدما باتت الارض بأيدي مصاصي الدماء لا بأيدي الذين يترنحون بين كؤوس الشامبانيا ونظريات الكسي دوتوكفيل حول الديموقراطية. زجاجات فارغة على الارصفة (والقول لمعارض محترم وليس لنا).
لم يعد هناك من مكان لضيوف الشرف هؤلاء، الا على الشاشات التي العديد منها يثير التقزز لكثرة الاجترار، ولكثرة النفاق، فيما الجنون يضرب سوريا، وسيضربها اكثر واكثر، ليكتشف جماعة المجلس الوطني، ما داموا لا يصرخون في وجه قتلة «الثورة» مثلما يصرخون في وجه قتلة النظام: «نحن لم ننتفض من اجل اسقاط سوريا، بل من اجل اسقاط النظام».
لكنهم يقتلون سوريا، ويكتفي معارضو الموائد الفاخرة والليالي الفاخرة بأن يرتدوا ثوب الببغاء، ولغة الببغاء، ولا يرتفعوا الى مستوى القضية، وهم المشتتون بين هذا الباب وذاك، ويعلنوا، ولكن بعد فوات الاوان، الحرب ضد القتلة اياً كانت هوية هؤلاء القتلة…
انه شبق الدم حولنا، وقد يكون فينا. كان محمد الماغوط يقول» هذا الضمير العربي الذي بالكاد يعمل بالفحم الحجري»!