قصة رفع سعر المازوت.. أسعار الطاقة تبدأ بالشائعات وتنتهي بالقرارات
رفعت الحكومة سعر ليتر المازوت إلى 20 ليرة سورية، لتتحول حكاية أسعار الطاقة في سورية إلى بورصة حقيقية، فيوماً يتخذ أصحاب الشأن قراراً برفعه، ويوماً ينام أصحاب الدخل المحدود قريري العين بعد أن اتخذ أصحاب
الشأن قراراً بخفضه، والنتائج دائماً كارثية على الدورة الاقتصادية في مجملها، ما ينعكس على القدرة الشرائية لليرة السورية.
لكن أصحاب القرار ـ كما يبدو ـ يصمون آذانهم عن الأصوات المنادية بضرورة استكمال الدراسات قبل اتخاذ القرارات، فمن غير الطبيعي أن يتخذ قرار رفع وانخفاض مادة رئيسية كمادة المازوت مرتين في العام الواحد، والبينزين ليس أفضل حالاً، وقبل صدور قرار رفع المازوت إلى 20 ليرة، تكاثرت الدراسات التي تحدثت عن تقسيم مستهلكي المازوت إلى شرائح، كتلك التي نفذها المصرف التجاري السوري، والتي انطلقت بسعر المازوت من 15 ليرة سورية، لينتهي عند 90 ليرة سورية؛ أي أعلى بما يقارب 80 % من سعره العالمي.
الخبر الذي دخل حيز التنفيذ ليلة يوم الثلاثاء، لم يعلن رسمياً بعد، لكنه طبق على الأرض، وكما فوجئ المواطن بالقرار، أيضاً فوجئت الشركة العامة للمحروقات التي لم تكن على علمٍ بمثل هذا القرار، ولم يعد خافياً على أحد تبعات رفع سعر المازوت، حيث يدخل المازوت في إنتاج أكثر من 200 سلعة رئيسية للمواطن، ويؤدي ارتفاعه إلى مشكلات كبيرة للزراعة التي لم تتعافَ بعد من ارتفاع العام 2008 الذي ترافق مع موجة الجفاف، وأدّى إلى انخفاض مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 25 % إلى 19 % وفق الأرقام الرسمية، وفي ذلك الوقت، كان تقييم أداء الخطة الخمسية العاشرة، فيما يخص القطاع الزراعي، قد ذكر صراحةً الخطأ الذي ارتكب نتيجة رفع سعر المازوت، وكذلك النقل ارتفع بنسبة 100 %، أمّا خبز المواطن اليومي فحدّث ولا حرج، لاسيما مع انتهاكاتٍ لها علاقة بعدم وصول المازوت المدعوم إلى الأفران.
وكما لم تنفع نداءات ممثلي الشعب منذ عامين تحت قبة المجلس في خفض سعر المازوت، كذلك هو الحال اليوم، حيث يبدأ الدور التشريعي الجديد بقرارٍ يصيب جيوب المواطن في مقتل، ومنذ أن قامت الحكومة بتخفيض سعر المازوت المرة الماضية من 20 ليرة إلى 15 ليرة، لم تخفِ نيّتها بالحديث عن إمكانية رفعٍ جديدٍ لسعره، حيث لم تتأخر الحكومة في سوق الحجج التي تتحدّث عن ضرورة رفع المازوت، فحاجة سورية اليومية من مادة المازوت تتجاوز 30 مليون ليتر يتم استيراد 16 مليوناً منها والباقي ينتج محلياً.
ويترافق كلّ قرار يصدر برفع أو خفض أسعار المازوت مع آلية فاشلة، لتوزيع المازوت المدعوم، ليصل ـ كما كان يزعم المعنيون ـ إلى مستحقيه، ومع كل مرة كان يصل إلى الجميع باستثناء المستحقين، ولا يمكن لأحد أن ينسى طوابير الذل التي كانت تنتظر ليتر مازوت، أو أسطوانة غاز، حيث بات المواطن مدركاً حقيقةً واحدة، وهي أنّ أيّ أزمة في سلعة معيّنة في البلاد تعني بالضرورة رفعاً جديداً لسعرها، وبمعنى آخر أنّ الحكومة باتت تتعامل مع المواطن بعقلية التاجر المحتكر
ولا ندري إن كان رفع السعر الحالي لمادة المازوت يأتي في إطار التمهيد لتطبيق رؤية المصرف التجاري السوري الذي اقترح في دراسةٍ تتعلّق بمادة المازوت إمكانية وضع سعرين أو 3 لهذه المادة بحيث يبدأ من 15 ليرة لليتر، ويصل إلى 90 ليرة سورية، يعلق على هذا الاقتراح الخبير الاقتصادي الدكتور نادر الشيخ الغنيمي، بأنّ سعر ليتر المازوت عالمياً في الوقت الحالي هو 53 ليرة سورية بعد أن انخفض برميل النفط عشرة دولارات، في حين ليتر البنزين، الذي تقوم سورية فعلياً بتصديره، سعره العالمي يصل إلى 53.7 ليرة سورية، والحديث عن شرائح في السعر يصل أقصاها إلى 90 ليرة، ما يعني أنها أعلى من السعر العالمي.
القضية الأهم التي يشير إليها الغنيمي في مسألة المازوت أنّ المطلوب من الحكومة أن تدعم لا أن تأخذ من المواطن، فالمازوت يدخل في النشاط الزراعي، ويجب أن يبقى سعره 15 ليرة سورية، فحماقة الحكومة السابقة برفعها سعر المازوت في العام 2008، يجب أن لا تتكرر، حيث ترك القمح للرعي، لعدم توافر المازوت لسقاية القمح مرتين في اليوم، بسبب الجفاف والحرارة المرتفعة، لكنّ ذلك أدركه الخبراء والمحللون، ولم يدركه أصحاب القرار، فالقطاع الزراعي يجب عدم العبث معه، وفق ما يؤكد الخبير الاقتصادي.
والخوف حالياً من أن يعيد تاريخ انعكاس أسعار المازوت على الدورة الاقتصادية نفسه، وأن لا يكون أصحاب القرار قد درسوا قراراتهم قبل اتخاذها.
ضياع دخل المواطن هو المشكلة الأهم التي يشير إليها الغنيمي، وعلى الحكومة الابتعاد عن أسلوب التاجر المحتكر وأسلوب الجباية، فهذا يؤدي إلى العبث في الأسعار، وبالتالي في الدورة الاقتصادية، وله انعكاس سلبي بالضرورة على القوّة الشرائية، فإذا أردنا استقراراً في الليرة السورية علينا الابتعاد عن العبث وتخريب الدورة الاقتصادية، فاستقرار الاقتصاد الحقيقي والقدرة الشرائية لليرة هو الذي سيحفظ قيمة الليرة السورية، وعكس ذلك سيفاقم المشكلة بشكلٍ أكبر.
ولا يمكن تجاهل القطاع الصناعي الذي لا بد من أنه سيتجه إلى التخفيف من العمالة، ورفع أسعار منتجاته لتغطية أيّ زيادة على المازوت، وبالتالي نزيد من مشكلة البطالة والفقر، حتى بتنا نقول، على سبيل الدعابة، لا يمكن الحديث عن شرائح غنى وفقر في سورية، فالشعب كلّه سيتحول إلى فقير.
وعلى المقلب الآخر، نجد الحكومة التي تتحدث عن خسائر كبيرة ناجمة عن الدعم، وخسائر أخرى ناجمة عن تهريب المازوت المدعوم، وبالتالي المواطن سيتحمّل مسؤولية ذلك، لكن من ناحية المحروقات، البنزين يباع للمواطن بأقل من سعره العالمي بقليل، ويتمّ تصديره أيضاً بالسعر العالمي، في حين إنتاجه محليّ بالكامل، والمازوت يحسب دعمه وفق السعر العالمي، رغم أن جزءاً منه ينتج محلياً، أمّا الكهرباء، فنتيجة غياب الصيانة، والهدر، واهتلاك المحطات، تكلفنا 10 ليرات للكيلو واط الساعي، بينما يكلف في أمريكا 2 ليرة، فعدم مسؤولية الحكومة عن اتخاذ ما يلزم لتخفيف النفقات لا يجب أن يتحمله المواطن، والحديث للخبير الاقتصادي، كما لا يمكن تحميل المواطن مسؤولية ما يهرّب من المازوت، لأنه مسؤولية الحكومة، ولا يمكن مقارنة دخل المواطن المتواضع، بالدخول العالمية.
ويبدو أنّ أصحاب القرار لا يفكرون حتى الآن بمنطق الأزمة الذي يفترض تخفيف الضرائب وإنعاش الاقتصاد، كما يقول الغنيمي، ويضيف: الحكومة تتصرف عكس ما تتصرفه كل دول العالم أثناء الأزمات.
يذكر أن الحكومة السورية سبق أن رفعت سعر لتر المازوت في العام 2008إلى ثلاثة أضعاف سعره حينها، ليصل إلى 25 ليرة لليتر، بدعوى أنّ الدعم لا يصل إلى مستحقيه، واستعاضت عن دعم أسعاره بطرق ووسائل أعلنت فشلها لاحقاً لتعود بعد ذلك في العام 2009 إلى تخفيضه 5 ليرات، إلى أن عادت في شهر أيار من العام الماضي وأصدرت قراراً بتخفيض سعر ليتر المازوت من 20 ليرة إلى 15 ليرة.