دراسة على طاولة الحكومة: زيادة الرواتب وتعويضات للعاطلين عن العمل
قدمت وزارة الاقتصاد والتجارة مؤخراً دراسة إلى الحكومة تتضمن تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، والسعي لإيجاد فرص عمل وظيفية للشباب والمتخرجين من الجامعات والمعاهد، والبدء بالإعلان عن المسابقات اللازمة للتعيين بناء على نتائج الفحوص للمتسابقين.
ودعت الاقتصاد، إلى ضرورة القضاء على الفساد والرشاوى، وإحداث جهاز خاص لمكافحة الفساد، ويتم العمل حالياً على إحداث هيئة لمكافحة الفساد، إضافة إلى إحداث صندوق للتخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية للإنتاج الزراعي وآخر لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وبالعودة إلى مضمون الدراسة، أوضحت المصادر لتشرين، أن الوضع المعيشي للمواطن يعدّ العنصر الأساس الذي يتم العمل عليه، ولاسيما أن هناك العديد من العقبات التي يتجلى أبرزها في الروتين المتبع ودفع الرشاوى وارتفاع أسعار البناء.
إضافة إلى أن ضعف القدرة الشرائية لذوي الدخل المتوسط من السكان لم ينجم فقط عن ارتفاع الأسعار المحلية نتيجة ارتفاعات الأسعار العالمية للمواد عبر انتقال التضخم المستورد، وإنما يشمل إضافة إلى ذلك تزايد ظاهرة الاحتكار، أي احتكار القلّة من التجار والمستوردين للسلع والمواد الأساسية والحياتية، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى تدني القدرة الشرائية المحدودة أصلاً نتيجة قيامهم بدفع مبالغ أكبر لتلبية متطلبات السلع الأساسية الضرورية، كالخضار والفواكه على حساب السلع والمواد الأخرى البديلة.
وهنا لا تكون مرونة السلع والبدائل كبيرة لأن هذه المواد الأساسية ضرورية للمستهلك، الأمر الذي يؤكد أن ضعف القدرة الشرائية ليس نتيجة ارتفاع الأسعار فقط، ما أدى إلى تدني القيمة الاسمية للرواتب والأجور بشكل عام، وانعكاس هذا على ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى، يسبب في انخفاض نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي.
وتحت بند ارتفاع معدلات الفقر والهجرة، أوضحت الدراسة أن هذه الظاهرة ملموسة في كل الدول النامية، ومنها سورية، إلا أن الحكومة اتخذت جملة من الإجراءات في الآونة الأخيرة تسعى من خلالها لتأمين فرص عمل للشباب وخريجي الجامعات والمعاهد والجهات العامة، والتي يمكن أن تساهم إلى حد ما في تخفيف معدلات البطالة للمرحلة الجامعية وما قبلها، أما معدلات الفقر فهناك خطط تنفيذية وبرامج علمية تساهم في الحد من الفقر.
وأوضحت الدراسة، أن التزايد السكاني ليس السبب الأساس وراء عجز الحكومة عن تأمين فرص العمل دائماً، وإنما عدم التوسع في إقامة استثمارات ومشروعات استثمارية لامتصاص أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل.
وأشارت بحسب تشرين، إلى أن عجز الحكومة ليس السبب الأساس للبطالة، وإنما انخفاض عدد المشروعات الاستثمارية وضعف الاهتمام بتحفيز ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى أن الروتين ليس من يضطر المواطن لدفع الرشاوى، وإنما تفشي الفساد بكل أنواعه والمحسوبية في أجهزة الدولة ومؤسساتها وانخفاض دخل الموظف وضعف الوازع في شرائح المجتمع وبين موظفي القطاعين العام والخاص.
وحول الوضع الاقتصادي ذكرت الدراسة، أن للقطاع العام سلبيات، أولها أن معظم العاملين فيه يلجؤون إلى أعمال أخرى لتحسين وضعهم المعيشي، ما ينعكس سلباً على أدائهم في العمل الحكومي، وتالياً هذا يعود إلى ضعف الرواتب والأجور التي يتقاضاها العاملون في القطاع الحكومي وعدم كفاية راتب ودخل الموظف في هذا القطاع للعيش الكريم.
إضافة إلى ارتفاع نفقات وتكاليف الحياة المعيشية من كهرباء ومازوت وماء الخ، حتى أن الراتب لا يلبي في معظم الأحيان المتطلبات الأساسية للمواطن، الأمر الذي يدفع معظمهم للبحث عن دخل آخر.
أظهرت الإحصاءات الرسمية أن هناك عجزاً في الميزان التجاري إذ بلغ 243 مليار ليرة عام 2010 حيث بلغت الصادرات 569 مليار ليرة، المستوردات 812 مليار ليرة، وبلغ العجز 225 مليار ليرة عام 2009 مقابل عجز مقداره حوالي132 مليار ليرة عام 2008، ولم يصل إلى 510 مليارات كما ذكرت الدراسة سابقاً.
ولم تخف الدراسة، أن هناك ضعفاً في الإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري حيث يتزايد إنفاق الحكومة على النفقات الجارية والاستثمارية في سنوات الموازنة سنوياً حيث كانت نسبة الإنفاق للموازنة الجارية والاستثمارية عام 2003 هي 50% لكل منهما، ثم ارتفعت بعد ذلك، وبلغ الإنفاق الجاري 60% والإنفاق الاستثماري 40% عام في 2009، انخفض إلى 54.5% و45.5% على التوالي في موازنة 2011.
وأوضحت الدراسة، أن النمو الاقتصادي سواء بتدنيه أم بتباطئه أم ثباته بين 5-6% خلال السنوات بين 2005-2009 لا يعود فقط إلى ضعف السياسية النقدية، وإنما إلى التسليفات المنحازة لمصلحة القطاعات التجارية والمال والعقارات ذات المردودية والربحية السريعة بسبب سرعة دوران رأس المال العامل فيها.
وارتفاع هوامش الأرباح فيها أضعافاً مضاعفة مقابل القطاعات الإنتاجية السلعية الرئيسة كالزراعة والصناعة والنقل، التي تتسم بضعف هوامش الأرباح من جهة، وضعف دوران رأس المال العامل فيها، وبنود أخرى تتمثل في ضعف معدلات الاستثمار الوطني والأجنبي المباشر وضعف الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية في القطاعات الإنتاجية.
وذكرت الدراسة، أن من مساوئ القطاع العام أيضاً عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وإقصاء العناصر الكفوءة والنزيهة عن المناصب العليا وسوء توزيع العاملين على قطاعات الدولة كلها، إضافة إلى انتشار ظاهرة التهريب للمواد النفطية، ناهيك عن نسبة البطالة المصرح بها رسمياً، والتي بلغت 8.1% للعام 2009 وليس 9%.
أما فيما يخص القطاع الخاص، ذكرت الدراسة أن لهذا القطاع أيضاً سلبياته، التي تحكم بعض التجار بحركة السوق والأسعار واستيراد مواد ذات مواصفات فنية سيئة ومخالفة للشروط ومغالاة بعض كبار التجار والمستوردين أو الحاصلين على امتياز تصنيع للماركات العالمية في تحديد أسعار منتجاتهم الضرورية واحتكارها، كالرز والسكر، مع حرصهم الشديد على عدم البيع بخسارة، ورفع هوامش أرباحهم.
كما أن التحكم بالأسعار والاحتكار ووضع مقومات لمنافسة عادلة واقتصادية في السوق لا يقتصر فقط على الشركات والتجار والمنتجين، بل يشمل التواطؤات التي تشهدها أجهزة الجمارك والعبور والمنافذ الحدودية مع مزودي الخدمات والتجار والمستوردين للمواد والسلع وهذا ما يجعل الاحتكار والتواطؤ وحتى اقتسام الأسواق ظاهرة واضحة، وتتكون هناك حلقة مفرغة من التجار المحتكرين وعناصر الجمارك والمنافذ الحدودية تسعى للربح غير المشروع وطلب الرشاوى والفساد كلها تكاليف يدفعها المستهلك في آخر الحلقة المفرغة.
وهذا يتطلب حسب الدراسة ضبط الاحتكار من قبل هيئة المنافسة ومنع الاحتكار بالتعاون مع الوزارة والجهات المعنية وجمعية حماية المستهلك للحد من الممارسات التجارية المخلة بالمنافسة لضبط هذه الحلقة المفرغة التي تمارس ضد المستهلك النهائي والذي يدفع هذه الضريبة الضمنية من دخله المعيشي.
أما المقترحات التي أعدتها الدراسة لتحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي، فقد ركّزت على ضرورة العمل بشكل دوري على رفع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود لتتلاءم وتترافق مع ظاهرة ارتفاع الأسعار المحلية والعالمية، والعمل على تبني العديد من السياسات المالية تكون أكثر وضوحاً وشفافية وتركز على الاستثمار المحلي مع دعم أسعار الطاقة والتركيز على استخدام الطاقات البديلة لتخفيض الإنفاق المالي والاستهلاك الحكومي.
والتركيز – حسب الدراسة – على تصنيع مستلزمات الإنتاج والابتعاد عن استيرادها، الأمر الذي يمهد لتطوير الصناعة الوطنية وتحقيق قيمة مضافة بتشغيل أكبر عدد ممكن من العمالة والتخفيف من البطالة والتوجه إلى تصدير السلع المصنعة والسعي لبناء استراتيجية تعتمد على اختيار الشخص المناسب وعدم الفصل بين القطاعين العام والخاص وتفعيل العمل المشترك وزيادة الكفاءة لكليهما بهدف تلبية احتياجات سورية.
إضافة لذلك أشارت الدراسة، إلى أهمية تحسين كفاءة الخدمات الحكومية وتفعيل صناديق الشكاوى والعمل بشكل داعم ومرن على عدم التصدير الجائر للمنتجات الحيوانية ولحوم الأغنام وغيرها، والخضار وترشيد تصديرها بما يضمن توافر عرض المواد والسلع في الأسواق المحلية، ويحدّ من ارتفاع أسعارها والفائض عن الحاجة يتم تصديره، والعمل على اتخاذ تدابير صارمة بحق المصدّرين في حال مخالفتهم للأنظمة والقوانين، والعمل على زيادة حجم الصادرات إلى الأسواق الخارجية مع تحقيق التوازن بين الصادرات والمستوردات.
ومن جهة أخرى ركّزت، على أهمية النظر بالسياسات الزراعية، ولاسيما للسلع الاستراتيجية المرتبطة بتحقيق الأمن الغذائي مع ضرورة التركيز على الزراعات البديلة والعضوية، والسعي لتبني استراتيجية تستند إلى تحسين الخدمات في الريف وتطوير الزراعة الكثيفة والزراعات البديلة والتنافسية.
وطالبت الدراسة، بضرورة تفعيل آليات محاربة الفساد الإداري والمالي في القطاع الحكومي وقطاع رجال الأعمال والتجار، والتركيز على تشكيل لجان نزيهة ومشهود بكفاءتها لكشف الفساد وتقديم الحلول المناسبة من قبل مجلس استشاري اقتصادي للحكومة وضرورة استقلالية القضاء.
إضافة إلى أن دعم القطاع السياحي لا يقتصر فقط على تأمين بنية تحتية وطرقات وفنادق، وإنما يشمل تخفيض أجور المبيت في الفنادق كونها إجراءات تدعم السياحة وتجذب المستثمرين.
وفي سياق متصل أشارت الدراسة، إلى العمل على منح العاطلين عن العمل رواتب محددة تكفيهم لتأمين مستلزماتهم اليومية المعيشية أسوة بالدول المتقدمة، والسعي لتأمين ضمان صحي للأرامل والمسنين والأطفال، وتقديم معاشات للمتقدمين في السن من غير العاملين في الدولة، وفي الوقت ذاته التشديد على منع تشغيل الأطفال مع تقديم الدعم للخدمات الاجتماعية وتوجيهها بشكل خاص للمناطق العشوائية.
أما في مجال التجارة الداخلية، ذكرت الدراسة أنه ومن حيث الأسعار والرواتب هناك أهمية وضرورة لزيادة الرواتب والأجور بما يتناسب مع ارتفاع أسعار السلع الضرورية وتضييق الهوة بين الدخل والأسعار بقدر الإمكان، والتركيز على توافر السلع الضرورية ولاسيما عند ارتفاع أسعارها وتخفيف أو إلغاء الرسوم عليها ولاسيما لمستوردات المواد الأولية ونصف المصنعة والسماح لمؤسسات القطاع العام بالاستيراد مباشرة مع إعفائها من الرسوم بما يمكّنها من التدخل الإيجابي والحفاظ على توازن السوق.
كما دعت الدراسة إلى معالجة أوضاع المؤسسات والشركات التي تتبع للقطاع العام ولاسيما المتعثرة، وإعادة هيكلة الوحدات الاقتصادية بأولويات مدروسة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والسعي إلى تفعيل عملية دمج وإعادة تأهيل المؤسسات ذات النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يشجع على العمل ويرفع الكفاءة، وتوفير بعض النفقات الإدارية ما ينعكس إيجاباً على تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة.
مشيرة إلى ضرورة إلزام كل الفعاليات الاقتصادية والتجارية والخدمية بالإعلان عن الأسعار وتداول الفواتير وبطاقة البيان واتخاذ أشد العقوبات الرادعة بحق المخالفين.
ولم تغفل الدراسة عن تقديم بعض المقترحات لتحقيق جودة المنتجات وعدم وجود مواد مهربة، مع ضرورة تأمين مخابر معتمدة عالمياً لتحليل كل المنتجات لضمان سلامة المنتجات ولاسيما الغذائية.
وأشارت الدراسة، إلى ضرورة إيلاء الجمعيات الأهلية والخيرية العناية اللازمة والمراقبة للمساهمة في تقديم الحاجات الأساسية للعديد من الأسر، حيث اقترحت الدراسة ضرورة أن تقوم مديرية التعاون الاستهلاكي بالإشراف على عمل الجمعيات التعاونية والتوسع بالقطاع التعاوني، والابتعاد عن المركزية وإعطاء بعض الصلاحيات لتسهيل العمل مع توجيه الجمعيات المستمر لضرورة مواكبة التطورات الاقتصادية المحلية والعربية والدولية باتباع أساليب العمل التجاري ومنهجية السوق مع عرض السلع بمظهر يضاهي مثيلاتها من القطاع الخاص.
وخلصت الدراسة إلى تقديم مقترحها في مجال الرقابة الداخلية من حيث ضرورة إجراء تقويم ورقابة دورية لعمل المديريات من قبل لجان متخصصة لمكافحة كل أشكال الفساد، وتالياً التوصل إلى أوجه القصور والخلل والانحراف في مختلف أوجه العمل.
وكشف أي إساءة أو فساد قبل استفحاله لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة ما يتم الوقوف عليه من إساءات أو غير ذلك بما يحقق حماية المال العام وحسن تطبيق القوانين والأنظمة، وأن يتم تقويم دوري للعاملين بجهاز مكافحة الفساد والتأكيد من مستوى فاعليتهم وأدائهم للمهام الموكلة إليهم.
خطوات جيدة جريئة اذاطبقت نصفها