برهان إبراهيم كريم كتب لزهرة سورية :السياسة من وجهة نظر البعض
وصف ماوتسي تونغ السياسة. قائلاً: السياسة هي حرب دون سفك دماء ,والحرب هي سياسة دماء.
وبقيت هذه المقولة هي الفيصل والحكم, الذي يحكم السياسة الصينية من تاريخ الثورة الصينية وحتى الآن. فسياسة الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية, هي رحلة حوار وتنافس لكسب حرب دون إراقة دماء . وفق منظور ولذلك نجد الصين تشجع على الحوار, لحل المشاكل والمعضلات. وترى أنها ليست بحاجة لخوض الحروب, وزج شعبها وقواتها في آتون الصراعات. لأن الطرف الآخر بنظرها هو من أفقه مسدود ,وهو المجبر على شن الحروب. وعندما يلجأ لخوض الحرب, ستصد الصين حروبه وعدوانه بدفاع صلب وعنيد, وتجبره مكرهاً على إعلان هزيمته .والهزيمة حينها ستكون نكراء تفرض عليه من خلالها الهروب والاندحار. وما جنته الولايات المتحدة الأميركية من هزائم في فيتنام وكمبوديا مازال شبحاً مرعباً يؤرقها من عقود وحتى الآن.
نجد بعض الساسة والمحللين السياسيين ينتقدون سياسات دول عظمى ,أو بعض حكامها وحكوماتها, دون أن يفطنوا إلى أن سياسات الدول الكبرى تحدد على ضوء ما تنتجه دراسات وأبحاث مراكز بحوث ودراسات, لا على تكهنات. فالحرب الاميركية على العراق قررها الرئيس جورج بوش حين تبناها المحافظون الجدد.
كثيراً ما تطالعنا تحليلات غريبة وعجيبة لساسة ومحللين سياسيين لسياسات دول .فهذا يعتبر ان سياسة دولة بخصوص بعض الأحداث والازمات تنقصها الحكمة, وتفتقد للموضوعية والمنطق. وأنها ستكبدها خسائر كبيرة إذا ما استمرت سياستها على هذا المنوال. بينما يراها آخر على أنها نوعاً من إثبات الذات, وفرض أو استجداء دور لهذه الدولة في أكثر من مكان ومجال. وكلا المحللين في تحليلهما لم يحالفهما الصواب.
أما السيد جورج إبراهيم الخوري فقد عرف السياسة ,بقوله: السياسة فن يشمل فن التدبير أو التوفير ,و المراهنة أو المهادنة .و ضرب الحديد وهو حام, أو تجليده وهو بارد .وما تسنم سياسي عرش النجاح أو أرتقى إلى سدة الفلاح ,إلا وكان يتمتع بذكاء خارق ,وعقل راجح, وتخطيط بارع. وتعريفه ربما فيه الكثير من الصواب. والسيد أنيس منصور عرف السياسة بقوله: السياسة هي فن السفالة الأنيقة. في حين عرف آخر السياسة بهذا القول: السياسة فن التلوث تجد لها ميداناً فسيحاً في العقول الضعيفة. وكلا التعريفين ربما كانا ردا فعل على بعض السياسات لبعض الدول الاستعمارية , والتي تكتنز بالازدواجية ,وتفتقد للقيم والعرف والأخلاق. أو نوع من الاستياء من سياسات بعض الدول العربية التي الحقت بالعرب الكثير من الأضرار.
أما السيدة لورنا فيزيمونز فعرفت السياسة ,بقولها: فن السياسة هو أن تجعل الآخر يغير رأيه دون أن يشعر بالإذلال. وهذا التعريف ربما فيه الكثير من الاخلاق ,وأيضاً يجانبه الكثير من الصواب.
بينما يعرف آخر السياسة بهذا التعريف: السياسة هي فن الممكن .وهذا التعريف يأخذ عليه البعض أنه لا يتضمن كل الحقيقة. لأن التزام السياسة بمقتضيات الواقعية كثيراً ما يجعلها قاصرة على بلوغ المثاليات .ولكن ذلك لا ينم بشكل من الأشكال عن عداء بين الواقعية والمثالية ,وإنما ينم فقط عن القصور في التحقيق.
أما السياسي .فيصفه فولتير بقوله: السياسي هو من صنع أمواجاً, ثم يجعلك تظن أنه الوحيد القادر على الوصول بالسفينة إلى شاطئ الأمان. وآخر يعرفه بهذا القول: السياسي قد يكون منبوذا اليوم ورجل الساعة في الغد ,أو رجل الساعة اليوم ومنبوذاً في الغد. وآخر قال: السياسي الناجح هو الذي يعرف متى يختفي ومتى يظهر, ومتى يتكلم, ومتى يصمت ,ومتى يهادن ومتى يحارب. اما السيد سليم الحص فقال عنه في مجلة الصياد بتاريخ 19-26/8/1983م: السياسي هو الشخص الذي يحترف السياسة عملاً يومياً. والذي يتحلى بصفات المثقف عن معرفة وإدراك وحس بالمسؤولية. والمتفرغ للتعاطي بالشأن العام على مستوى التفكير والممارسة والموقف والتحرك……. فالمثقف يجب أن لا يتخلى عن مثاليته حتى ولو تحول إلى سياسي. والسياسي أيضاً يجب أن لا يتخلى عن مثاليته ولو كان قاصراً بحكم الواقع عن تحقيق تطلعاته. وجبران خليل جبران قال: ويل لأمة سائسها ثعلب ,وفيلسوفها مشعوذ, وفنها فن الترقيع والتقليد. ويل لأمة تحسب المستبد بطلاً ,وترى الفاتح المذل رحيماً. ونابليون قال: أسوأ ما في السياسي هو الشروع في عمل وتركه ناقصاً. وآخر قال: يجب أن يكون للسياسي هدف يسعى إليه ,وقدرة على إقناع الآخرين بالسعي للهدف. وقال آخر: الرأي يؤدي إلى السياسة, والعقل إلى الرياسة, والعلم إلى التقدير, والحلم إلى التوقير. وهذا معناه أن السياسي يجب أن يكون ذا رأي وعقل وعلم وحلم. وربما بعض السياسة يفتقدون بعض هذه المتطلبات. ولذلك قالوا: إذا كان الرأي عند من يملكه دون أن يبصره ضاعت الأمور. أما السيد بيار أمين الجميل ,فقال: العمل السياسي هو الاجتهاد لمصلحة المجتمع, والنهوض به إلى الرقي ,وما تبقى هو سياسة من نوع التنظير. والغريب أن كثرة الساسة في بعض الدول لم ينجزوا بعملها السياسي ولو خطوة على طريق التقدم والنهوض.
يرى البعض أنه في السياسة يجب أن تعتمد وتتجنب أسس كي تكون السياسة ناجحة. ومن هذه الأسس:
•اعتماد بعض السياسات على النساء لأنه الرجال سيتبونهم تلقائياً. وربما لهذا السبب باتت المرأة تحتل رئاسة الدولة أو الحكومة أو بعض الوزارات السيادية في الغرب والولايات المتحدة الأميركية.
•عدم قطع عقدة تستطيع حلها. وهذه مقولة قالها ستندال.
•لا تزعج البلاء إلا بعد أن يزعجك البلاء. وهذا مثل انكليزي لكنه معتمد في السياسة البريطانية.
•إذا كنت متأكداً من شل رد فعل خصمك قيل وقوعه فإن سياستك ناجحة. وإن كنت قادراً على امتصاصه بعد حدوثه فإن سياستك نصف ناجحة. وإذا لم تكن قادراً لا على امتصاصه ولا على شله فإن نتائج سياستك وخيمة وخائبة.
•عدم الاعتماد على الاقوال في حل المشاكل والازمات ,أو التلاعب فيها وفي الألفاظ إن لم تكن مقرونة بالأفعال. والسيد أحمد طالب الابراهيمي قال: لا تستطيع أن تشفي الآم شعب بالكلمات ,ولا حل لمشاكل وطن بالشعارات.
•من أجل معرفة ما يشغل المرء أو الناس يجب أن تصغي إلى حديث المرء وحديث الناس.
في السياسة قد تصدم المرء والجماهير أموراً عدة. ولا يجد لها من تفسير. ومنها على سبيل المثال:
1.بعض المعارضات حين تصل إلى سدة الحكم تنسى لماذا عارضت. فأوباما مثلاً نجح بوعده الشعب الأميركي بسحب قواته من العراق ولكنه تلكأ أكثر من المتوقع, ووعد بدعم وجوده العسكري في أفغانستان. فإذا به يفاوض سراً كي يسحب قواته بأقصى سرعة من أفغانستان.
2.وقد تجد في بعض الدول أن أطول الحكومات عمراً هي التي لا تفعل لشعبها شيئاً يذكر .
3.وان بعض الأحداث التي تحدث. عبر عنها فولتير حين قال: الاحداث السياسية في الدولة وما يعقبها من ثورات وحروب تشبه العواصف نشعر بهبوبها دون أن نعنى بالبحث عن سببها ومصدرها.
4.وقد تجد سياسي يطبق مقولة هنري جيمس: ممارسة السياسة عملياً تكمن في تجاهل الحقائق.
5.و قد تجد سياسي يلتزم هذا المبدأ: أفضل طريقة لعدم تغيير الرأي هو أن لا يكون لديك أي رأي.
6.وأبو العلاء المعري يصف بعض الساسة بشعره .فقال:
يسوسون الأنام بغير عقل وينفذ أمرهم فيقال ساسة
فأف من الحياة وأف مني ومن زمن سياسته خساسة
7.وابن زريق البغدادي وصف بعض الحكام .فقال:
رزقت ملكاً فلم تحسن سياسته وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا شكر عليه فإن الله ينزعه
8.وقد تجد ساسة يمتهنون سياسة القوة ,ولا يحيدون عنها شبراً. وسياسة القوة وضعها الفيلسوف السياسي ورجل الدولة الايطالي ماكيافيللي (1469-1527م). حين كان أميناً لمجلس العشرة في فلورنسا. وهدف منها توفير كل الوسائل اللازمة للدولة حتى تصبح قادرة على حماية نفسها من العدوان الخارجي. وأساليب الحكم الملائمة لتحقيق هذا الهدف. وكيف يمكن للحاكم أو الأمير أن يحتفظ بسلطته السياسية ويمارسها. وضمنها في كتاب أسمه كتاب الأمير. والذي بين وحدد فيه معالم سياسة القوة وفحواها: أن الأخلاق لا محل لها في تحقيق القوة السياسية والمحافظة عليها. والتي يجب على الحاكم أو الأمير أن يتبعها لإقامة دولة يستطيع دائماً من خلالها مقاومة الغزو الأجنبي .لذلك فعليه أن لا يهتم بكسب حب الناس له ,بل عليه أن يتأكد من أن الناس يخافونه ,لأنه يمكنه الحصول منهم على الحب والخوف معاَ. وأن الخوف من الحاكم يساعده على تحقيق أهدافه وقوته والنجاح تصرفاته السياسية وكذلك يسهل عليه أمور قيادته للدولة أيضاً. والمحزن أن سياسة القوة باتت معتمدة من قبل البعض في السياسة والبيت والأسرة والعمل وفي أكثر من مجال.
9.وقد تجد ساسة معجبين بسياسة المرأة الحديدية أو الفولاذية التي أبتدعها مارغريت تاتشر.
10.وتجد أيضاً سياسة التهريج والثرثرة والكلام الفارغ التي ابتدعتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. والتي ليس لها من معنى. وكأن هدفها تعقيد المشاكل, والتلاعب بالعواطف والقلوب.
11.ثم هناك سياسة الكذب والمكر والدجل التي أبتدعها كل من جورج دبليو بوش وطوني بلير.
12.وسياسات أخرى ظهرت على السطح , كسياسة تصفير المشاكل , أو تصغيرها والحد منها.
13.وسياسة النأي بالنفس. بحيث تنأى فيها الحكومات عن التورط عن احداث لا طاقة لها عليها.
14.وهناك سياسة عدم الانحياز(سياسة الحياد الايجابي). وهذه السياسة أرسى معالمها مؤتمر باندونج في منتصف القرن الماضي .ومازالت متبعة في كثير من الدول. ومؤتمراتها تعقد دورياً.
15.وهناك سياسة العصا والجزرة .وهذه السياسة من منتجات السياسات الأميركية البلهاء.
16.وهناك سياسة القوة المفرطة. وهي معتمدة من قبل الدول الاستعمارية لضمان مصالحها الاحتكارية.
17.وهناك سياسة القوة الناعمة ,وهي منتج من منتجات السياسات الامريكية.
18.وهناك سياسة العصا الغليظة .وهي من مبتكرات العم سام والنظام الامبريالي.
19.وهناك سياسة قضم الأرض وبناء المستوطنات وجدر الفصل العنصري وتهويد الأرض والمقدسات المتبعة من قبل إسرائيل .والتي كانت متبعة من قبل النظام العنصري في جنوب أفريقيا.
20.وهناك سياسة أن قوة بلد ما تكمن في ضعفه. وهي منتج رديء لبعض الأحزاب والساسة.
21.وهناك سياسة الكيل بأكثر من ميكال وميزان في القضايا الدولية ,لهدر حقوق وتضحيات الشعوب.
22.وهناك سياسة الفوضى الخلاقة, والتي ابتكرها المحافظون الجدد المتصهينين.
23.وهناك سياسة ادارة الازمات لعقد أو عدة عقود كبديل عن ايجاد الحلول للمتاجرة بقضايا الشعوب.
24. وهناك سياسة هدر الوقت لهدر تضحيات الشعوب وحقوقها وما حصلت عليه بنضالها وتضحياتها. من خلال العودة بالقضايا والأزمات إلى المربع الأول بعد وصولها إلى مربعات متقدمة.
25.وسياسة رئيسة وزراء المانيا السيدة أنجيلا ميركل. والتي عبرت عنها بقولها: في السياسة لا يسري دائما ما هو سليم من الناحية الاختصاصية.
26.والسياسة الاستعمارية لتعلب السياسة البريطانية ونستون تشرشل. والتي فضحها بقوله: الحقيقة جوهرة ثمينة، الكل يبحث عنها. ولذا يجب حراستها بستار من الأكاذيب.
27.وسياسة الرئيس الاميركي الخامس مونرو .والتي طرحها في مبدأ عام 1823م.ومفاده: القارة الأمريكية منطقة نفوذ سياسي واقتصادي شامل وكامل للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف حال من الأحوال الاستثمار فيها ,أو التدخل في شؤونها الداخلية من جانب الآخرين في قارات العالم الأخرى.
28. وسياسة الاحلاف العسكرية .والتي وصفها روبرت هانتر سفير واشنطن السابق في حلف الأطلسي بقوله: أن الذين يطالبون بانضمام دولهم إلى الحلف الأطلسي يجب أن يدركوا أننا قد نضر بهم إذا لم نكن جاهزين لدعمهم بإجراءات أمنية حقيقية.
بعض هذه السياسات كبدت الشعوب والدول خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. ودفعت بالاقتصاد الاميركي ولبعض الدول إلى الافلاس. وجعلت العالم أقل أمناً من ذي قبل. وألحقت أضراراً فادحة في الكثير من العلاقات الدولية. وقزمت بعض المنظمات الاقليمية والدولية .وشوهت القانون الدولي والشرعية الدولية.
ربما سنشهد ولادات جديدة لسياسات جديدة يبتدعها بعض الساسة بين الحين والحين. وربما سيعاني العالم الأمرين من السياسات العقيمة والهجينة. وكأن المشاكل والازمات التي تعاني منها الشعوب وجدت لتبقى, ولكي تحيا بسعادة ورفاه إلى أرذل العمر. لتكون شاهداً للأجيال القادمة على ما أنجزه العمل السياسي لبعض الزعماء والرؤساء والساسة لشعوبهم وباقي الشعوب. وكأن علم السياسة بات قاصراً ومتخلفاً, ولا يلبي المتطلبات في المكان أو الزمان لبعض الساسة. وأنه ربما بات يحتاج إلى شطب العديد من مؤلفاته, وتعديل ما تبقى منها بما يلائم مصالح وأمزجة وأهواء بعض الساسة والأنظمة كي يضمن لنفسه البقاء ,ولكن بشكل وهندام وديكور ومكياج جديد, يرضي أذواق وأمزجة ومطامح وشهوات أمثال هؤلاء الساسة.
السياسة ليست ترفاً .وإنما هي علم يحتاجه المرء في كافة مجالات حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالفاشل أو المقصر أو المهمل في علاقاته الأسرية والوظيفية والمهنية, لا يصلح كسياسي ليحل مشاكل بلاده وغير بلاده. وعلى من يمتهن السياسة أن يتحلى بالأخلاق, وناجحاً في اسرته ومحيطه وعمله ومهنته ووظيفته.