بيانكا ماضيّة كتبت لزهرة سورية :الاختراق الصهيوني الماسوني التاريخي للعقل العربي – المقتل التاريخي
تم الاختراق من الداخل..الداخل العقلي..الفكري..الإسلامي، فالغزو الأمريكي الأوروبي الماسوني اليوم للأرض العربية، حصل عن طريق العقل العربي..
فصُدّرت العقيدة الوهابيّة المخترِقة للإسلام إلى سورية عبر طريقه، وبدأت عمليات التهديم والحفر في بقعة أميّة ريفية، أغلب أبنائها متحمّسون للدين، وفي واقع اجتماعي بائس واسع النطاق، وفي ظل نعرة طائفية نائمة، تم إيقاظها بفعل الوكز القرضاوي/ العرعوري/ القُرني/ التميمي/ العُريفي/ الرّبيعي/ وأخيراً عمرو خالد، لتنتهي بمدّ بساط المال والسلاح فوق تلك العمليات التهديميّة، ولتنتهي بتخريب العقل الريفي الذي نقل جرثومة تلك العقيدة الوهابيةّ إلى المدينة؛ ليعيث فساداً وإجراماً وقتلاً تحت شعار (لا إله إلا الله محمّد رسول الله) الذي آلَ إلى سفكِ ونثر اللون الأحمر/الدم، نتيجة هذا الاختراق/الاغتصاب على الساحة السورية. ولتتضح نهاية هذه العمليات الحفريّة للعقل باعتداء وتخريب بعض أجزاء من الحضارتين المسيحية والإسلامية وسرقتهما وتهريبهما تحت جنح الظلام إلى حيث أحضان الغرب الصهيوني الذي تكمن أهدافُه البعيدة تجاه هاتين الحضارتين في إلغاء وجودهما على هذه البقعة من الأرض المقدّسة/سورية، بحيث لايختلف مايفعله معولُهم الإجرامي العربي هنا، عما يفعله معولُهم الصهيوني هناك، في البقعة/الأرض المقدسة/ الأم، ألا وهي فلسطين المحتلة، والتي تشكل البقعة/الأرض السورية امتداداً لها، لذا فإن هذا الغرب الصهيوني سعى عبر كل زمانه التاريخي إلى مدّ استعماري أو اغتصاب أو اختراق تحت شعارات شتى؛ لمحو المعالم العربية الآثارية الحضارية، المسيحية والإسلامية، من أرض الواقع العربي، بذرائع تتنوع وتتبدّل بتنوع وتبدّل الظروف السياسية والاقتصادية.
…ولم يك اختراق العقل العربي اختراقاً أمريكياً أوروبياً وحسب وإنما اختراق يهودي صهيوني مستعرِب أيضاً: فكر وهّابي جهادي انتحاري سعودي تم تصدير أدواته ومعاوله، ليبدأ الحفر في العقل والفكر العربيين، هذا الحفر الذي لم يستخدم عقل طبقة جاهلة وحسب، وإنما عقل طبقة مثقّفة (برهان غليون نموذجاً) وفي عقل طبقة مثقفة أخرى (ميشيل كيلو نموذجاً آخر)، هذان العقلان أو هاتان العقليتان -العربيتان أصولاً والغربيتان ثقافة وممارسةً- تم اختراقهما واغتصابهما بادئ ذي بدء، لتكونا الأداتين اللتين أخذتا بالثأر، ولتكونا الغازي الحقيقي ابن الداخل السوري المخترِق للداخل نفسه، فتم الاختراق/الاغتصاب الخارجي إليهما، لينتقل عبرهما إلى اختراق داخلي، ومن ثم وعبر أدوات جاهلة سورية إلى اختراق داخلي داخلي. فعمل هذا المغتصِب الجديد على اغتصاب وتخصيب الأرضية الريفية بهذه العقلية المهدّمة، لتأتي النتيجة الأولى للاغتصاب، فضَ البكارة/دماً سورياً نقياً، ولتأتي النتيجة الثانية للتخصيب ابناً سفاحاً، أو ابناً غيرَ شرعي رأته عيون بعض الريف السوري في أقبية بيوته، ألا وهو الإمارات والخلافات الإسلامية، التي أصدرت فتاواها بالقتل والذبح والتنكيل، والاغتصاب مرة أخرى، وليأتي هذا الابن السِّفاح، أو غير الشرعي، نسخةً من أبيه المغتصِب المستعرِب (آل سعود)، وليصدر هذا الابن فتاواه بناء على العقل التكفيري الذي كان عليه الوهابيّون السوابق واللواحق، الخوارج الجدد الذين ورثوا العقل الخوارجي/الأب، والذي كانت بصمته القاتلة بصمةً مدويّةً في التاريخ العربي الإسلامي، ألا وهو قتل الإمام (عليّ)؛ ليقدَّم قرباناً لله حسب الرؤية التكفيرية.
….ولم يك هذا الاختراق جديداً، إذ هو وليد سبعينيات القرن الثامن عشر، وليد فكر ابن تيمية الحرّاني الخارج عن منهاج الحنابلة، والذي اعتبر الفرق الشيعية (أداة هدم من داخل الإسلام) فبدأ بأداته التخريبية عبر الفتاوى التي أصدرها، والتي جاءت واحدة منها بما معناه: إن كانت لديك عشرة سهام فوجّه تسعاً منها باتجاه الروافض والنصيريين، وواحداً باتجاه اليهود… ومن هنا بدأ الغزو الاختراقي للإسلام مذ إصدار تلك الفتاوى…
…كما لم يك هذا الاختراق السوري أيضاً وليد ما سمي بالحراك الأوّلي في درعا، وهو حراك ليس ذا طابع ثوري كما قيل زعماً، بل هو ذو طابع طائفي بحت، تمثّل في شعارات (لا إيران ولاحزب الهط.. بدنا شعب يوحّد الله) و(لا حزب الله ولا إيران… السنة جاية من حوران) و(العلوية ع التابوت، والمسيحية ع بيروت) فقبل ذلك تم تهيئة العقل الريفي السوري بشكل خاص، كما أسلفنا، وقبله العقل العربي بشكل عام، ليأتي اختراق الدين الإسلامي عن طريق الدعوتين الوهابيّة والإخوانية الغربيتين لوجستياً، واللتين هدفهما سرقة الحضارة العربية، وتهديم الفكر والفن العربيين، وتمزيق الإنسان العربي المبدع لهذه الحضارة وتشويه تراثه، وسحق روحه الشرقيّة المؤمنة بالله والزاخرة بقيم الحق والخير والجمال. فتم اختراق الوطن العربي بهاتين الدعوتين عبر مساحتين عربيتين كبريين، هما: شبه الجزيرة العربية ومصر، ففعلت الوهابيّة فعلها في المساحة الأرضية الأولى على يد (محمد بن عبد الوهاب) في بادية نجد، ومن ثم على يد مناصريه الوهابيين الجدد في شبه جزيرة العرب منذ قيام دولتهم الأولى في سبعينيات القرن الماضي، وتالياً عبر دولتهم الثانية في مطالع القرن العشرين، وفعلت الإخوانية فعلها في المساحة الأرضية الثانية على يد (حسن البنّا) المؤسس الرئيس للتنظيم الإخواني، منذ قيام الدعوة الإخوانية في مصر عام 1928، لتُحتكر من قِبلهما قراءة (الإسلام) ولتُجرّد القراءات الأخرى، لتعتبر خارجة عنه، فيما تكمن الحقيقة الساطعة كالشمس في أن القراءات الأخرى هي القراءات الحق، وأن كلاً من تينك الدعوتين الوهابيّة والإخوانية، هما (خوارج) القرن الجديد، الذين ورثوا شعار (خوارج) القرن السابق لهما والمعبّر عنه بـ (لا حكم إلا لله) ليكون شعار تنظيم القاعدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هو الشعار الجديد لخوارج القرن الواحد والعشرين.. إذ نهلت تلك الدعوتان من معين تراث الخوارج الأوائل، وكان أن جاء وصف الإمام (عليّ) لشعار (الخوارج) ذاك، بـ (كلمة حق يراد بها باطل) وهو ما يمكن سحبه أو إسقاطه على الشعار الجديد، بأنه أيضاً وحتماً (كلمة حق يراد بها باطل)*.
…ولم يك هذا الاختراق أيضاً وليد اليوم بل كان وليد اللحظة التي بدأت فيها الماسونيّة/ الصهيونية (مهدّمة الأديان) بالعمل والحفر في العقل العربي، لتأتي ابنتاها الدعوتان الوهابيّة والإخوانية ولتأخذا مداهما من خلال هذا الاختراق ومتابعته زمانياً ومكانياً وفكرياً وعقائدياً، إذ كل واحدة منهما تعمل على تهديم الدين الإسلامي وتهشيمه وتفتيته من الداخل عبر السلاحين الفكري/العقيدة، والمادي/الأداة؛ لأجل أن يكون الانتصار لأمهما الكبرى (الماسونيّة).
واليوم تقاوم سورية بكل مكوناتها الحضارية والإنسانية والفكرية والدينية لأجل ألا يبلغَ هذا الاختراق مداه، فتنتصرَ الماسونيّة/ الصهيونية العالمية على الحضارة العربية السورية منشأ الأديان ومهدها و(مآلها)، ولهذا فإن الاختراق السوري المضاد أو العكسي، وعبر أداته التهديمية المضادة/ حماة الديار، قائم لا على الأرض وحسب بل وعبر الفضاء أيضاً، يعاضدُهم حماةُ ديار آخرون، عبر الفكر والفعل، تشحذ هممَهم روحُ المقاومة الوطنية/الدرع الواقي والسيف البتّار لكل عقيدة خارجة عن الإسلام، ولكل فكر أصولي تهديمي، ولكل ما هو خارج عن النص الأصلي؛ لتأتي النتيجة المنطقية للاختراق، ألا وهي وصول الماسونيّة/الصهيونية وابنتيها وأدواتهما، إلى نهايتهم المحتومة/المقتل التاريخي، على أرض المسيحية والإسلام الحقيقيين، أرض سورية ذات نور الإيمان الساطع كنور الشمس.
——–
* تم الاستعانة في كتابة هذا المقال بثلاث دراسات للباحث والكاتب المصري فكري عبد المطلب، ومنها (الأبعاد الوهابية لحركة الإخوان المسلمين) و(الملك السعودي يرهن أهل السنّة تجميلاً لوجه الوهابية القبيح) و(جذور التصور الإسرائيلي لدورهم في الجزيرة العربية) وقد نشرت المقالتان الأولى والثانية في جريدة الجماهير، حلب، في تواريخ سابقة