كيف ترى موسكو مصير الرئيس الأسد؟
تحدث رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف في مقابلة أجرتها معه قناة “سي ان ان” الامريكية عن الاوضاع في سورية وفيما يلي المقاطع المتعلقة بسورية .
س – اسمحوا لي ان أسألكم عن سورية ؟
ج – لم لا ؟
س – قلتم إن روسيا تريد اتخاذ موقف الحياد في النزاع ، وإنكم لا تدعمون نظام الأسد. لكن في الواقع ان الجيش الروسي تولى تدريب الجيش السوري ، ولديكم صلات طويلة الأمد هناك ، ولديكم نفوذ على الحكومة السورية، وثمة بلدان قليلة تتمتع بمثل هذا النفوذ. وأنا أحاول أن أفهم ، اذا كان إستمرار النزاع ليس في مصلحة روسيا ، واذا كنتم لا تريدون ان تشارك فيه جماعات متطرفة وجهادية جديدة وجديدة ، لأن هذا يحدث بالقرب من حدودكم الجنوبية(داغستان ، الشيشان) ، فلماذا لا تحاولون انطلاقا من المصالح الروسية فقط إرغام ممثلي نظام الأسد على إدراك انهم يجب ان يجدوا حلا وسطا ما ، ويجب ان يرحل الأسد؟
ج – نعم ، ان هذه مسألة أخرى في العلاقات بيننا ، ولو أنني أعتقد ، برأيي، أنه لا توجد تناقضات حادة في مواقفنا. ودعنا نتأمل في الأمر. في البداية كانت روسيا الاتحادية حليفا متميزا لسورية أو الرئيس الأسد. وكانت لدينا علاقات طيبة مع والده ، وكذلك معه ، لكن كان لديه حلفاء أكثر تميزا بين عدد من الدول الاوروبية . هذا أولا.
وثانيا ، إنني زرت سورية مرة واحدة ، ورأيت كيف وضع المجتمع هناك. أتعرف انها قياسا الى ما رأيته في البلدان العربية الأخرى من أكثر البلدان هدوءا وانفتاحا ومن أكثر البلدان التي شاهدتها تحضرا. لكنها ، بلا ريب ، دولة ذات نظام متشدد، كان يجري فيها عمليا التصدي الى أي نشاط سياسي.
ثالثا ، لقد أخطأ الرئيس الأسد لدى إجراء الاصلاحات السياسية. وكان الواجب ان يتم ذلك كله بصورة أسرع بكثير ، مع جذب المعارضة المعتدلة الى جانبه ، والتي كانت مستعدة للجلوس الى طاولة المفاوضات. لقد كان ذلك خطأ فاحشا من جانبه، ولربما خطأ قاتلا.
والشئ التالي إننا لم نقل أبدا ان هدفنا هو الابقاء على النظام السياسي القائم أو بقاء الرئيس الأسد. فهذا يجب ان يقرره الشعب السوري. الشعب السوري – المتعدد القوميات والطوائف. ووجب على هذا الأساس ان يجلس الى طاولة المفاوضات – السنة والشيعة والعلويون والدروز والمسيحيون. وفي هذه الحالة فقط يمكن إجراء الحوار الوطني الكامل. واذا ما أبعد أحد ما منه ، فستستمر الحرب الأهلية.علما ان الحرب الاهلية جارية ، وتتحمل المسؤولية عنها ، حسب رأيي، على قدر المساواة قيادة البلاد وكذلك المعارضة المتشددة التي ، بالمناسبة ، تتمثل لحد كبير بالمتشددين الاسلاميين.
س – لماذا لا تحاول روسيا تغيير الوضع القائم، بأن تأخذ الدور القيادي؟
ج – نحن لا نحاول تغيير أي شئ. بل بالعكس ، اننا أرسلنا مرارا .. وانا شخصيا أجريت مكالمات هاتفية مع الأسد عدة مرات وقلت : نفذوا الاصلاحات ، وإجلسوا الى طاولة المفاوضات. وأكرر مرة أخرى : برأيي ان القيادة السورية كانت ، وياللأسف ، غير مستعدة لذلك. لكن من جانب آخر ، لا يجوز بأي حال من الاحوال السماح بنشوء وضع يجري فيه إقصاء النخبة السياسية الحالية بنتيجة العمليات المسلحة. ان الحرب الأهلية ستستمر في هذه البلاد على مدى عشرات السنين. ونحن ندرك ما يمكن أن يحدث. وقد تحدثت حول هذا الموضوع: فهل اننا نرضى بما يجري في ليبيا في الوقت الحاضر؟ نعم ، لايوجد هناك القذافي. نعم ، كانت هناك مواقف متباينة من القذافي ، لكنني وأي واحد من قادة روسيا كان يدعو القذافي بين الفينة والأخرى لإجراء المباحثات ، ثم فعلوا ما فعلوا معه فيما بعد. ولكن المسألة لا تكمن في مصيره الفاجع ، بل في ان الوضع في ليبيا يبقى متوترا للغاية ولا يستطيع أحد منا استبعاد إحتمال انقسام هذه الدولة الى عدة أجزاء. حقا، الآن لا تدور هناك رحى حرب أهلية. بينما تتوفر كافة الفرص لأستمرارها في سورية – مع الأسد أو بدونه.
لذا فأن مهمة المجتمع الدولي ، والبلدان كافة – الولايات المتحدة والاوروبيون والدول الاقليمية مثل المملكة العربية السعودية وقطر وغيرهما- ان يجلسوا الاطراف الى طاولة المفاوضات ، وان يطالبوا ليس برحيل الأسد ومن ثم إما اعدامه كما فعلوا بالقذافي او جلبه الى قاعة المحكمة محمولا على نقالة إسعاف كما يحملون حسني مبارك الآن.
س – هل يمكن إقصاء الأسد؟
ج – أنا لا أعلم . وباعتقادي ان فرص بقائه تقل في كل يوم وكل اسبوع وكل شهر. لكنني أكرر مرة أخرى : ان الشعب السوري يجب ان يقرر ذلك. وليس روسيا والولايات المتحدة او أية بلاد أخرى. والشئ الرئيسي الآن – هو ضمان إجراء عملية المصالحة الوطنية. ويجب علينا ان نفكر فيما سيحدث. فعلى سبيل المثال لو جاء الى السلطة الآن المعارضون الذين تشكلوا ليس في أراضي سورية بل في الخارج. فماذا سيفعلون؟ أنهم سيقضون على ممثلي التيارات الأخرى في الاسلام والطوائف الدينية الأخرى ، وهم يفعلون ذلك الآن. لهذا فاما ان تجري عملية المصالحة الوطنية تحت إشراف المجتمع الدولي ، واما ان تستمر الحرب الاهلية الى ما لانهاية ، ولا يوجد بديل ثالث.
س – لابد انكم تتفقون معي في القول ان الوضع الحالي في سورية ليس في مصلحة روسيا ، لأن سورية تمضي نحو سيطرة الاسلاميين عليها ، وتتنامى اتجاهات التفكير المتطرفة ؟ ونحن نوجد في الطرف الأخر من العالم ، بينما توجد سورية الى جواركم مباشرة؟
ج – يصعب علي نفي ذلك ، لكنني اعتقد ان هذا الوضع يبعث على قلق الجميع ، لأن ممثلي الجهاد والراديكاليين يتسللون ليس الى أراضي روسيا الاتحادية فقط بل والى أوروبا ، انهم يحاولون التسلل الى الولايات المتحدة الامريكية ، لذا فأن هذا الوضع يعتبر سيئا بالنسبة الى الجميع. بيد أن هذا لا يعني أننا يجب ان نحمل بأيدينا الى السلطة ممثلي الجماعات الراديكالية المذكورة. ويجب ان يكون الحل عبر عملية مدنية معقدة تنظيميا ، تجلب الطمأنينة الى الناس. ونحن على استعداد للمشاركة في ذلك – ونحن قلنا هذا مرارا. بالمناسبة نحن نجري الاتصالات مع المعارضة. ولم نخف ذلك أبدا. ونحن نلتقي معها بهذه الصورة او تلك ، ونبعث الدعوات عبر القنوات المختلفة، كما نرسل الدعوات ، طبعا ، الى الرئيس الأسد. واعتقد اننا جميعا نتحمل مسؤولية كبيرة عما سيحدث في الاراضي السورية في نهاية المطاف. واذا ما سمحنا بتطور الاحداث وفق السيناريو الكارثي ، وفي الاتجاه الكارثي ، فسيكون ذلك خطأ فاحشا من جانبنا ومحنة جسيمة لفترة عشرات السنين مقدما. وعندئذ لا يمكن ان يتوفر المجال لأي حديث عن الحوار في الشرق الاوسط.