مقالات وآراء

آوعا الزيت…أوعا الزيت بقلم المهندس باسل قس نصر الله

كان هناك في ثمانينات القرن الماضي فرقة مسرحية أسسها الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي وآخرين وانتجت عملاً لها لم أعد أذكر اسمه،
وقد اخذني اهلي الى هذه المسرحية التي بهرتني لنقلها الواقع باحساسِ شخصٍ محروق، وكانت إحدى فقراتها تتحدث عن شخص يجلس بجانب المسرح ويقول كل فترة للممثلين "أوعا الزيت….أوعا الزيت" أي انتبه للزيت، وسألوه لماذا يقول ذلك كل فترة فأجاب أنهم في احدى المديريات الحكومية قاموا بطلاء الغرف بالدهان ووظفوه في بداية العمل فقط لينبه المراجعين عن الدهان الذي كان ما يزال رطباً وقد يلوث ثيابهم، ولكنهم نسوا أمره ومرت سنوات وبقي هو موظفاً في المديرية لا عمل له سوى أن يقول "أوعا الزيت".
تخيلوا – يا رعاكم الله – في هذه الظروف القاسية جداً والموتى والشهداء ناهيك عن الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وخاصة في مدينة حلب، فإن الجهابذة من أولي العلم اكتشفوا – يا سبحان الله – ان غرفاً في مبنى محافظة حلب في القصر البلدي بحاجة الى دهان، وهات من هذا، فمن الدهان – وعلى مبدأ "صار وصارِت" – بدأنا بجلي البلاط واعمال الخشب وغيرها … ولن أستغرب إذا اشترينا بعض الفرش والكراسي المريحة ذات المحور لكي يستقر عليها أولي الأمر، من أجل خلفية ثقافية تهمّ الوطن.
أسمع عن الشهداء والجرحى والنازحين والمتضررين وغيرها من الأسماء، كما أسمع عن معاناة الجميع من المحروقات والغذاء والماء والكهرباء، وفي وقت نمد أيدينا للكثير لنؤمن أقل مما نحتاج من أجل ايواء واطعام النازحين – من كل الاطراف – ومع ذلك يتم صرف مبالغ – مهما كانت صغيرة جداً – في غير أماكن تخفف من البلاء الذي يحيط بمدينتنا، ومِنْ مَنْ….؟ من الأشخاص الذين نخّبونا إياهم .
اليس هذا مخجلٌ ؟
أليس مخجل أن نهتم بلباسنا ومظاهرنا وكراسينا وحماماتنا ….
هل التطوير هو فقط في دهان غرفنا ونختلف حول الافضل ؟ هل نصف لمعة ام لمعة كاملة لتضيف رونقاً على أنوارنا البهية؟
في إحدى المرات قلتُ للمسؤول الكبير جدا أن السفير الأميركي والصيني والروسي والفنزويلي والانكليزي والتشيكي وغيرهم من السفراء الأجانب في سورية، يتكلمون اللغة العربية، وأضفت أن سفرائنا في الخارج أيضاً يتكلمون اللغة العربية وفقط العربية.
في عام 2000 حضر الى مدينة حلب السيد ريمون بار (رحمه الله) عمدة مدينة ليون حينها وكان رئيس الوزراء الأسبق في فرنسا في آخر عهد الرئيس الفرنسي ديستان، وخلال الزيارة كان ان التيقته بأقنيتي الخاصة في دار كنيسة الروم الكاثوليك وانتحى بي جانباً وقال لي:
"" أخذوني الى كنيسة سمعان وقام الدليل (وهو مهندس) بالشرح باللغة الفرنسية فما كان من المحافظ (حينها) إلّا أن قال للدليل "اشرحلنا شوي بالعربي لِنفهم"، وقد نقل لي مرافقي ومترجمي الكلام""، ثم سألني السيد بار ما ترجمته "سيد باسل، أليسَ لديكم أشخاصاً مثقفين جيداً؟"
وبعد سنوات طويلة منذ ذلك الزمن، ومن التطور والتحديث بات الكثير يلعب الورق على الكومبيوتر.
أهذا هو التطور الذي فهمناه؟
دهان وفرش وبرادي وحمامات وكراسي بمحور؟
ممرات في محافظة حلب اتخيل فيها مسرحية دريد ونهاد وجملة "اوعا الزيت"
هناك أغنية للسيدة فيروز تقول " سمّى الديرة وسمّى الحي ولولا شوية سمّاني" فلا تجعلوني أسمّي الاشياءَ بأسمها.
اي أوعا الزيت
اللهم اشهد أني بلغت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى