عُراة في ديسمبر بقلم كاظم فاضل
الفلاح في كل الأمكنة يحفظ عن ظهر قلب خطط الوصول إلى لحظة القطاف حتى عندما تباغته الطبيعة في محاولة منها لتقويض أحلامه البسيطة يكون لها بالمرصاد بعفوية و تلقائية فطرية و مكتسبة.
وهو يدرك جيداً أن الصقيع إن أتى سيقتل حبات بذاره الضعيفة .. وفي مرحلة لاحقة لا بد له من رعاية أوراقها الغضة من العلل و الأمراض .. ليكون ممكناً الوصول إلى بر الأمان.
تتكرر الحكاية من غير أي تبديل يذكر .. مع مرور الأيام والسنين و الدهور.
أي ما من شيء يمكنه أن يُحدث انقلاباً أو تغييراً جذرياً يدفعه لنثر حبات بذاره في فصل مختلف أو تربة مالحة غريبة عنها لا تمنحها فرصة الحياة إلّا في حالات التجريب .. وربما الجنون أو ما يشبهه.
ضمن " لعبة " الباطن و الظاهر أو الشكل و الجوهر .. هذا الأمر يحدث في البر والبحر والجو .. وعلى مستويات و مكونات مختلفة و متعددة.
الولايات المتحدة الأميركية و كنظام سياسي و اقتصادي و عسكري و مخابراتي يحكم و يسيطر على العالم من أقصاه إلى أقصاه .. استطاعت أن تتفنن و تبتكر أساليب " الحصاد " بكل أنواعه و أشكاله .. بأثمان بخسة و في كثير من الأحيان من غير أي ثمن يذكر .. بالمعنى المادي للكلمة.
/ العربي / و لكونه مشهور و معروف بأنه مسكون بالتناقض و النفاق و الدجل .. و مهووس " بالفياغرا " و أخواتها لدرجة العته .. وأنه يعمل في الوقت الذي يجب عليه التخطيط و التفكير .. والعكس صحيح .. و يكره و يحقد عندما تتوجب عليه المحبة و التسامح .. والعكس صحيح .. والأهم أنه يؤجر عقله " كشقة مفروشة " أو يبيعها لأي عابر سبيل " مجاناً " شريطة تمتعه بالجنسية الأميركية!؟
لهذه الأسباب و غيرها كان بإمكان أي قادم من واشنطن / وبكل سهولة ويسر/ أن يقنع هذا العربي " التائه " بضرورة أن يخلع ثيابه و يرمي بنفسه في أقرب نهر أو جدول ماء هرباً من حر الصيف و جحيمه .. رغم أنه يعيش في أكثر أيام السنة برودة و صقيعاً!؟
إنها أميركا .. السيد المطاع المهاب .. وما من أحد يمكنه أن يرد له طلب ! و الذي يمتلك فيما يمتلك " شيفرة " السمع و الكلام و الرؤية .. والقتل!؟
فبحركة إصبع مزينة باثنتين و خمسين نجمة " و نجمة " يغط العربي بنوم عميق و لا يستيقظ إلّا بحركة أخرى!
و عندما تريد " الشقيقة " واشنطن منه أن يفتح خزائنه و قلاعه و قصوره لأي فرنسي أو بريطاني أو سرلنكي .. أو أي ناطق بغير العربية .. يكون لها ما تريد فهي لا تريد له إلّا الخير و السلامة .. وطول العمر و أشياء أخرى!؟
أميركا .. أم الدنيا أو الشقيقة الكبرى .. تحصد من غير أن تزرع .. وتزرع من غير أن تحصد .. فهي تكتفي بغرس بذور الحقد و الكراهية و الضغينة .. وتترك موسم الحصاد لأهله و سيوفهم و خناجرهم و بلطاتهم …
و في متاهة العم سام " المُحكمة " و خيوطها .. وما بين شيطنة الآخر المختلف وشعارات الحرية و الاستبداد .. وخطابات المعارض و المؤيد .. وكلام المثقف والمحلل السياسي .. والكاتب والفنان .. والسياسي و نقيضه .. و اليمين و اليسار تعوم أميركا " الحرّة "! على بحار من دماء قانية تمتزج بالنفط و مخلفاته .. وتضمن لأبنائها الحياة الرغيدة الدافئة لأجيال قادمة دون أن يعنيها أي شيء آخر اللهم إلّا دوام الحال على ما هو عليه.
القوة و المصالح هي ما تحرك العالم و ليس أي شيء آخر .. وإلى أن يكون أحد هذين الأمرين فلن يجد الناس من يسمعهم و يشعر بوجعهم و حزنهم .. أو من يمكنه أن يجزم لهم أنهم لن يقعوا في ذات المصيدة كل حين .. بتغريدة من هنا أو تعليق من هناك تعود بهم إلى نقطة البداية .. في رحلة لا و لن تنتهي أبداً؟ خاصة مع الإصرار على عملية الخلط " الغير عفوي " بين السياسة و الأديان و الخاص و العام و غير ذلك من التقسيمات .. بدلاً من قوننة العمل السياسي بمعنى ربطه و خضوعه المطلق للقانون وليس أي شيء آخر.
البعض يقول أن قدر السياسة في الشرق هو تحريك الأوضاع و الأحوال خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء؟ وربما أكثر!
يبدو أن هذا ما يحصل.. وإلّا كيف نفهم الحنين و الترحم باستمرار على الأمس الذي ذهب و مضى .. ولن يعود؟
عبثاً تؤكد الأيام أنه ما من أحد يمكنه امتلاك كامل الحقيقة و الصواب دون غيره!؟
لكنه الشرق! و أيامه لا تشبه الأيام.