الشيخ البوطي…وانا
التقيت به لأول مرة في مطار دمشق عام 2000 وكان ذلك عند الصباح الباكر حيث كنت قادماً من حلب والتقيت في المطار مع الوفد الذي سيسافر الى قبرص لحضور مؤتمر ديني يقيمه مجلس كنائس الشرق الأوسط.
وكان الوفد السوري يضم العلّامتين الشيخين د. محمد سعيد رمضان البوطي و د. وهبه الزحيلي اضافة الى الصديق الشيخ د. صلاح كفتارو نجل مفتي سورية الاسبق المغفور له الشيخ احمد كفتارو، ومن الطرف المسيحي الأخ الكبير المطران يوحنا ابراهيم وأنا. ولا أعرف تماماً هل تمّت دعوتي لأنني مسيحي أم لأنني أحمل رسالة الى المؤتمر من الشيخ د. أحمد حسون مفتي حلب آنذاك؟
صافحت الشيخين حيث عرّفهما بي صديقي د. صلاح وسألني عن الشيخ حسون بصفتي اني احمل رسالته الى المؤتمر، ثم صعدنا الى الطائرة المتجهة الى لارنكا حيث ننتقل الى ليماسول بالسيارات، لأن المؤتمر سيقام بها، وفي الطريق الجوي ثم الأرضي استمعت الى د. البوطي في اجاباته على اسئلتي والتي زدت بها مخزوني من الدراسات في الفقه الاسلامي .
توزعنا على غرف الفندق الذي نزلنا به ، واتفقنا على الاجتماع عند الساعة الحادية عشرة لحضور الجلسة الافتتاحية في قاعة اجتماعات الفندق التي خُصصت للمؤتمر.
رن جرس الهاتف في غرفتي، وقد استغربت ان يعرف احدٌ ما عنواني او رقم غرفتي، وعندما رفعت السماعة جاءني صوت د. البوطي الذي بادرني قائلاً: "هل صحيح أنك مسيحي؟" فقلت له "نعم" ، واردف قائلاً : "اخبرني د. صلاح بذلك لأنني ظننت انك مسلم من مريدي الشيخ حسون كما أنك كنت طوال السفر تسألني اسئلة فقهية" فقلت له "امّا انني مريدُ …فنعم، واحب أن اسمع واتعلم من الجميع" ومازحته قائلاً أنني ايضا سأكون مريدٌ لديه من الآن وصاعداً.
بدأت الوفود بالحضور الى الجلسة الافتتاحية، وبدأ الجميع بالتعارف والمصافحة، والكثير من الشخصيات المشاركة هم من الاسماء المعروفة، وانتبهت ان الكثير منها كانت تحضر للسلام على د. البوطي والتحدث اليه، وهو بهدوئه وابتسامته التي لا تفارقه ودعابته الذكية كان يجتذب الجميع وجلهم من رجال العلم الاسلامي والدين المسيحي أو الباحثين. وتقدمت امرأة مشارِكة من الوفد الفلسطيني الى الشيخ البوطي ومدت يدها للمصافحة، فسلم عليها بكل هدوء.
على مائدة الغداء سألته كيف حدث وصافح امرأة؟ ابتسم قليلا وقال : "انا مع عدم المصافحة – وهي قد لا تكون تعلم – ولكن ما حدث كان امام جمع كثير – وكان عددهم يقارب العشرين- وربي سيسألني عن كسر خاطرها، لذلك صافحتها وتوجهت في قلبي الى الله استغفره وهو اعلم بنواياي".
في جلسة خاصة ضمت مجموعة صغيرة، سألته وبالحرف الواحد إذا تعارض نصٌ قرآني مع حقيقة علمية قطعية الدلالة، فأين يقف د. البوطي؟" وكنت أتوقع ان تكون الاجابة ان لا تعارض بين القرأن الكريم والعلم، إلّا أن اجابته كانت اكثر من مدهشة، فأجابني "مع تأكيدي أن القرآن الكريم لا يتعارض مع العلم، إلّا أنه وفق سؤالك، فإذا تعارض -في الظاهر- نصٌ قرآني مع حقيقة علمية قطعية الدلالة، فأنا مع الحقيقة العلمية لأنني أنا الذي (والكلام للبوطي) لم أفهم النص القرآني"
وخلال أيام المؤتمر كان هناك جولة سياحية للمناطق المحيطة بليماسول، حيث من المقرر ان نتناول طعام الغداء في احد المطاعم فنبهني د. البوطي انه حان وقت صلاة الظهر، فتوجهت لتأمين مكان للصلاة ودعوته مع رجال العلم الاسلامي الآخرين، وبعد ادائه فريضة الصلاة، قلت له "تقبّل الله" ابتسم، فقلت له، "لا شك أنني لست بمسلم واختلف عنك في الدين، لكنني سأقاتل من أجل ان تمارس فرائضك بحرية".
خلال الرحلة والمؤتمر استطعت أن أُقنع الشيخ البوطي لإلقاء محاضرة في حلب ، وجعلته يكتب عنوانها بخط يده، وهو ما كان.
حدثني عن التوجه الصوفي للرئيس الراحل حافظ الاسد في الفترة الاخيرة من حياته، وقال لي "عندما يتصل شخص ما ليطلبني في منزلي فلا يسألون عن اسمه فإما ان يجيبونه انني لست موجوداً إذا كنت خارج المنزل او يطلبون منه الانتظار لثواني ليعلموني"، ومرة رن الهاتف ليلاً فاجابه احد الأحفاد وطلب منه الانتظار، وعندما امسكت الهاتف لأجيب كان المتصل هو حافظ الأسد نفسه، وبدأت اللقاءات التي كانت تمتد الى الفجر وتتناول الأحاديث خلالها الخالق والخلق والفقه وغيرها من الأمور الدينية.
لماذا اكتب الان بعض الذكريات عن شخص تحدث عنه الجميع، الذين اختلفوا معه والذين وافقوه، وكلهم أجمَعَ انه تصدى للصعاب من الأمور الفقهية، كما أجمعوا على رفضهم لعملية اغتياله التي تمت في محراب احد مساجدِ الله.
الجواب، لأني لم أعرفه شيخاً معمماً فقط، بل عرفته كانسان.
عدت الى الورقة التي كتبها بيده عنواناً للمحاضرة ….كانت عن الحوار….
رحمك الله ورحم كل الشعب السوري
اللهم اشهد اني بلغت
تا بعت دروس الشيخ البوطي لعدة سنوات في مسجد الايمان ولم اجد في كلامه أ والنظر الى وجهه الا زيادة ومحبة في طلب العلم والاجتهاد في الدين @النتيجة انه انسان صادق ومحبوب من كل أطياف الشعب السوري والعالم الاسلامي