شكاوي المواطنين

خبزٌ بلا طحين

اليوم قصدت أحد الأفران ووقفت أنتظر دوري .. وبسبب البرد الشديد ووقت الانتظار الطويل كان لا بد من تبادل الأحاديث ..
تحدث الرجل الذي لم يسبق لي رؤيته عن أسباب هذه الأزمة الصعبة وقال إن بعض الناس يجمعون كميات كبيرة جداً من الخبز و دون مبرر .. استغرب البعض ما سمعوه … بينما آخرون تمسّكوا بالصمت التام …
المفاجئ بالنسبة لي وبعد إصرار هذا الرجل الخمسيني لتوصيلي بسيارته إلى بيتي .. هو وجود كميات كبيرة من الخبز على المقعد الخلفي لسيارته ! تذكر حديثه الذي مضى عليه أكثر من ساعتين .. وبدأ بتقديم المبررات والأسباب .. والتي لست بوارد ذكرها أو مناقشتها فأنا أتفهمه و أعذره تماماً.
لكنني لا أدري لماذا تذكرت وجوه أولئك الذين تمسّكوا بالصمت التام !؟
مما لا شك فيه أن الكلمة توازي عزم المدفع أو القنبلة وربما أكثر بكثير .. و البداية كلام .. و الأفكار والأحلام والشعارات والذكريات والرغبات .. وحتى القيم مجرد كلام …
إن لم يتبناها الناس " بالعمل " فيضخون في شرايينها دماء الحياة .
والجميع يعرف أنه ليس على الكلام " جمرك " كما يقول المثل العربي الشهير لذلك آلاف قصص العشق والغرام والهيام " على سبيل المثال لا الحصر " يكون مصيرها الألم والحزن والدموع والحسرة .. من غير أن يتوقف هذا القطار أبداً ..
لتتكرر في كل لحظة ذات القصة والنهايات … وإن تثنّى لك أن تستمع لكل هؤلاء فمحال عليك أن تميز بين الضحية والجاني " إذا جاز التعبير " مادام كل ما في الأمر مجرد كلام!؟
والكلام ليس أكثر من حروف .. والحروف خبز الحياة .. والحياة لا تتوقف من أجل أحد والحروف كذلك؟
الأميركيون لديهم حكمة تقول : من لا يقرأ التاريخ محكوم عليه بتكراره .
طبعاً هم يعنون " بقاء الذاكرة حيّة " للاستفادة من التجارب والأخطاء والخيبات السابقة وعدم الوقوع بها كل حين .. وليس فعل القراءة بحد ذاته.
العرب في العموم يمقتون ويكرهون مثل هكذا أمثال و حكم و يعتبرونها نوع من " الفذلكة و الفانتازيا "!؟ ومع ذلك لا تجد جامعة في أي بلد عربي ليس فيها كلّية أو قسم لدراسة التاريخ لا لشيء إلّا لأن " الموضة " تقتضي ذلك!؟ ولتخريج المزيد والمزيد من المعلمين فقط !؟ مع إصرار كل الآباء والأمهات في الشرق بالأمس واليوم وغداً على أن يكون أبناءهم جميعاً أطباء مشهورين!
مع أن هذه المثل " الأميركي " يصلح للكثير من جوانب حياة الإنسان إن لم نقل كلها.
مؤخراً طرحت الحكومة السورية ما يمكن تسميته خطة إنقاذية " للأزمة السورية " ولن أخوض في تفاصيلها وجزئياتها .. لكنها خطوة هامة لا لشيء سوى أنها على الأقل تتيح لصبحٍ جديد بالمجيء من غير ألمٍ ودمٍ وخراب .. وتفتح المجال لوضع السيوف والرماح جانباً .. والإنصات بدقة وصدق لما يريده الناس والذين من المفترض أنهم أولي الأمر وأصحاب الكلمة الفصل في البداية والنهاية .. لاسيما وأن كل الأطراف تتحدث نيابةً عن الناس وباسمهم ولأجلهم و كرمى لعيونهم!!
ولمن لا يسمع ولا يرى ولم يعلم بعد .. نخبره أن الناس متعبون ومرهقون وخائفون من كل شيء وعلى كل شيء ورائحة البؤس والحزن والحاجة تفوح في كل زاويةٍ وبلدة …
ليس على الكلام جمرك كما سبق وذكرت .. بمعنى أنه من الممكن التحدث والكتابة وبعشرات الصفحات عن الأسباب والمسؤوليات والغايات و التبريرات والتخوفات و الخلفيات و الشعارات و التحليلات والسياسات والبديهيات والتكهنات والتكتيكات والتأويلات … لكن ذلك كلّه لن يقدم ولن يؤخر في الأمر شيئاً .. بل يعني في ما يعنيه المزيد من الدماء والحسرات والوجع و الدموع .. فالصورة باتت قاتمة وسوداء و مفزعة.
لكن و بكل الأحوال لا بد من الاعتراف بوجود تقصير كبير في تسويق وشرح و تبسيط هذا التصور أو الخطة الهامة للناس .. فصحيح أن " الأزمة " باتت في ملعب الأمم الكبيرة والصغيرة وما بينهما وللأسف الشديد .. لكن الداخل يبقى العصب الأساسي و المفتاحي دون أدنى شك.
أن تكتب للمحبة والإنسان هذا يؤكد أنك إمّا مجنون أو تائهٌ في مدينةٍ كبيرةٍ تدخلها للمرّة الأولى .. وفي كل الأحوال لا بد لك من مراجعة الطبيب في القريب العاجل!؟
هذا ما قاله لي أحد الأصدقاء معلقاً على مقالٍ كتبته بعنوان " كثيرٌ من الحب "
وللأمانة هذا الصديق و في كل مرّة أقرأ له ما أكتبه .. ينتظر حتى أنهي ويقول فوراً .. هذه ليست شغلتك .. " يا أخي ما سمعت بالمثل الذي يقول أعطي الخبز للخباز حتى لو أكل نصفه " ليكرر نصيحته بالابتعاد عن هذا الطريق المخيف المليء بالحفر و المطبات و المتاعب!؟
الثلج يتساقط بكثافة على الشرفات والدروب .. علّها بشارة خير أو بارقة أمل .

بواسطة
كاظم فاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى