أمريكا – داعش .. حسابات و حسابات
منذ انتهاء الجولة الأخيرة لمؤتمر جنيف و حتى الاّن يلاحظ أن جون كيري يقبع شبه صامت حيال الملف السوري ..
رغم العديد من الاحداث و المتغيرات , مرورا ً بالإستحقاق الإنتخابي الرئاسي .. فبالكاد سمعنا صوته . يبدو أن كيري يصمت ..!! فهل ابتلع الحوت لسانه ..!؟ .
فمن عشرات التصاريح اليومية الى الصمت المطبق ..!! هل هو صمت ما قبل العاصفة ؟ أم عجز ٌ في الدبلوماسية ؟
جعله يفضل الصمت على أن يحصد المزيد من الخيبات الإعلامية – بالحد الأدنى – و التي تعكس الهزائم التي يتلقاها الإرهابيون على الأرض السورية .
أم أن خيباته المتكررة جعلته يدير المعركة بلسان غيره , كما يديرها بغير جنوده ..؟ .
فمن يراقب تطور الأحداث في سورية و الملفات المرتبطة بها , و خاصة ً بعد فوز الرئيس الأسد بغالبية ٍ لم تكن مفاجئة لأحد بما فيها الإدارة الأمريكية , يلاحظ انكفاءا ً إعلاميا ً أمريكيا ً واضحا ً يرتبط بإنكفاء ٍ سياسي ٍ ظاهري فقط . لقد اعتمدت الإدارة الأمريكية على سياسة ٍ فيها الكثير من الاعتبار و التقدير لقوة الدولة السورية و ذكائها , مقرونة ً بضعف حلفائها و تشرذمهم و رعونة أدائهم .. فكان لا بد من عزلهم عن المشاركة في القرار و اعتبارهم أدوات طائعة صامتة يتحركون فقط بإشارة ٍ منها . هي تعلم أن حربا ً خارجية ٍ على سورية لن تكون نزهة ً أو سهلة ً .. و لا تريد شركاء لها في القرار .. و ها هي تختبرهم في الملف الأوكراني و تساهم في تصعيد و توتير الأجواء مع روسيا و الصين و إيران .. و تهدد بذلك أمنهم الوطني لتكتشف ضعفهم و تضمن عودتهم الى فلكها صاغرين . فالإختلاف مع روسيا جعل فرنسا تبدو تائهة تماما ً , في حين تتألم ألمانيا و لكن بصمت شديد .. أما الحليف البريطاني فيقف كالمتفرج علّه يتلقف اللحظة المناسبة . لقد نجح أوباما في استحداث ورقة ٍ جديدة للضغط عليهم إذ أظهر ميلا ً لوضع حد ٍ و نهاية ٍ للحرب على سورية .. فأسقط أهدافهم و أجبرهم على الإنصياع التام .. فتراهم يندبون و ُيظهرون تخوفهم من ارتداد الإرهاب الى بلادهم و يعدّون و يحصون عدد الإرهابيين الذين خرجوا من بلادهم للقتال في سورية . لقد فعلها أوباما و بقي لوحده سيد القرار في الحرب أو السلم ..!؟. فقد قامت إدارته بعمليات تبادل و توزيع أدوار ٍ ناجحة في داخل الإدارة .. فأظهرت عشرات المواقف المتناقضة و المتباينة .. و ابتدعت في شخص أوباما أن يرفض الحرب الخارجية على سورية أو أن يوافق عليها .. في لحظات ٍ حاسمة و أخيرة لم تكن لتسمح لأحد ٍ من " الحلفاء " أن يبقى في العربة دون تقديم الطاعة الكاملة . – مالذي يريده أوباما من حلفائه ؟ . يعلم أوباما تماما ً أن الحرب الخارجية على سورية قد تجرّ بلاده و المنطقة و العالم الى حرب ٍ عالمية ٍ جديدة لا يريد خسارتها قبل أن تبدأ بسبب ضعف حلفائه , و يعلم أنها معركة ٌ لا تحمل القسمة على اثنين , فكان لا بد من تصويب الحساب و جعله دقيقا ً للغاية . – نتائج غير مرغوبة بعد أربع سنوات . لقد اكتشفت الإدارة الأمريكية أن كل مؤامرات و مخططات " الربيع العربي " و حشود الحلفاء , و بعد أربع سنوات ٍ من الحرب .. لم توصلها الى أي مكان .. فسورية ُ باقية ٌ و الأسد باق ٍ و النصر السوري ُ أطاح بكل أهداف الحرب عليها .. و المرحلة القادمة ستشهد قيام الدولة السورية القوية القادرة على جعل محور المقاومة أقوى و أشد صلابة ً من ذي قبل .. و في الوقت عينه ُيصيب التضعضع الحلفاء كل ٌ في بلده و تراهم يتساقطون الواحد تلو الاّخر .. على مرأى من الإدارة الأمريكية التي تدرك أن تداعيات النصر السوري لن ُتبقي أحدا ً من أدواتها على رأس عرشه و ستطيح بهم عاجلا ً و ليس اّجلا ً . – سيناريو و حلم ٌ مزعج . عندها سيكون الخروج المذلّ من المعركة التي لا ترغب الولايات المتحدة أن تخسرها . و إن حصل فستحتاج الى عقود ٍ و عقود لإعادة ترتيب أوراقها .. بالإضافة الى الوضع الخطير الذي ستضع فيه حليفتها و الإبن المدلل اسرائيل . هو بالتأكيد حلم ٌ مزعج ٌ للأمريكان , وسيفعلون ما بوسعهم لتفادي حصوله . – داعش و اشعال العراق . وفي المقلب الاّخر جعل فوز نوري المالكي في الإنتخابات العراقية .. محور المقاومة يمتد و يتسع و يمد الجسور المتينة من روسيا و الصين الى إيران و العراق و سورية و لبنان و فلسطين . و هذه كلها مشاهد تجعل من جون كيري رجلا ً صامتا ً .. و كأن الحوت ابتلع لسانه تماما ً . – داعش الحل ؟. كان لا بد من ابعاد المشهد عن سورية قليلا ً .. و الإهتمام بكسر أحد أذرع المقاومة و إخراج العراق منه عن طريق عزل المالكي عن السلطة أو إشعال الأرض العراقية بنفس الأدوات الإرهابية . فأوكلت المهمة الى تنظيم داعش الإرهابي علّه ينجح في فرض المقايضة .. عن طريق السيطرة على مدن ٍ و محافظات ٍ استراتيجية و السيطرة على مصادر نفطية و مائية عراقية هامة تضغط على الدولة العراقية و تؤمن الإتصال الجغرافي للإرهابيين في التنقل و الحركة بين سورية و العراق و نقل الأسلحة النوعية الى الداخل السوري لرفع مستوى التهديد للدولة السورية .
– لذلك صمت كيري .. و داعش حصلت على الفرصة .. و قد ينظر كيري الى هذا الوقت على المقلب السوري بأنه وقت ٌ ضائع ُيستكمل فيه استنزاف الدولة السورية . لقد دفعت الإدارة الأمريكية فاتورة ضعف حلفائها .. و عدم فهمها المبكر لقوة و تماسك الدولة السورية .. إذ توقع الجميع سقوطها بعد رهانات كانت أقرب للاعبي البوكر منها لمخططي السياسة و الحروب . – صانع السلام .؟ . و ها هي الولايات المتحدة تستعيد بعضا ً من زمام الأمور – على حساب الشعوب و دمائها – إذ يمكنها فتح باب المفاوضات مع روسيا و الصين و ايران و العراق و سورية .. و يمكن لأوباما – إن نجح بالمفاوضات – أن يضرب معاقل الإرهاب في العراق و سورية .. و يظهر بمظهر صانع السلام " السوبرمان " الذي يتباهى به الأمريكان . و يبقى في صمود القطرين العربيين الشقيقين نسف ٌ و ضرب ٌ لكل مخططاتهم . " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " .