كم يمكن للنباتات أن تتكيف مع ظاهرة التغير المناخي؟
في كل دقيقة يموت 30 شخصا بسبب الجوع، نصفهم من الأطفال. وفي كل عام تتقلص مساحة الأرض الصالحة للزراعة بمعدل ملايين الهكتارات بسبب ظاهرة التصحر وملوحة الأرض. فكيف يؤثر التغير المناخي على الوضع الغذائي في عالمنا اليوم؟
يتفق العلماء على أن المناخ في عملية تغيير مستمرة، فدرجة الحرارة في ارتفاع. كما لا يختلف الكثير منهم على حدوث ظواهر مناخية لها عواقب وخيمة على استمرار الحياة على هذا الكوكب. ولكن ارتفاع درجة حرارة الأرض لا يعني بالضرورة عدم انخفاضها إلى درجة ما تحت الصفر في الجزء الشمالي من القارة الأوروبية خلال الخمسين عام المقبلة. كما سيبقى من غير الممكن زراعة نباتات كالبرتقال والليمون والزيتون في تلك المناطق مستقبلاً. ويمكن لنا أن نتساءل هنا: ما الذي ستنتجه أرض تلك المناطق آنذاك؟
يعمل المختصون في مركز لايبنتس للدراسات الزراعية في مدينة مونشبيرغ الألمانية لإيجاد إجابة على هذا التساؤل. ففي هذا المركز يتم العمل في البحوث الأساسية المتعلقة بهذه القضية. وجزء من هذه البحوث يتم في حقل زراعي، تنتشر عليه صناديق رمادية بارتفاع متر تقريباً. وتم تركيب مستشعرات في هذه الصناديق، تمتد إلى عمق ثلاثة أو خمسة أمتار. وتعمل هذه المستشعرات على قياس التغيرات في درجة حرارة التربة بصورة مستمرة، إضافة إلى إعطاء بيانات دقيقة عن درجة رطوبتها ودرجة ذوبان بعض المعادن في المياه، متحولة بذلك إلى مياه جوفية. كما تقيس هذه الأجهزة الدقيقة نسبة النتروجين في التربة، وكيف يمكن أن تتأثر هذه البيانات بطريقة استغلال الأرض زراعياً.
ما هي درجة احتمال النباتات للتغير المناخي؟
من خلال هذه البيانات يتوصل كارل-أوتو فينكل، وهو أستاذ يعمل في المعهد الزراعي المذكور، إلى معلومات دقيقة عن النظم الزراعية الجديدة والمتطورة، إضافة إلى طرق تخصيب التربة. غير أن هذا كله لا يشكل سوى مرحلة صغيرة في سلسلة من التحليلات، التي يمكن بواسطتها تقدير عواقب التغير المناخي على القطاع الزراعي. فهناك بيانات أخرى تجمع في الحقول الزراعية المغطاة المنتشرة على ارض المعهد، والتي توجد فيها "حجرات مناخية" كبيرة، يتم فيها تعريض نباتات منتشرة في أوروبا لدرجات حرارة أكثر ارتفاعاً عن المعتاد وللمزيد من أشعة الشمس. وبالتعاون مع المركز الاتحادي للأبحاث الزراعية في براونشفايغ درس الباحثون طريقة تعامل نباتات الحبوب مع زيادة كبيرة في معدل ثاني أكسيد الكربون في الجو.
ويقول الأستاذ الألماني إن النتائج كانت لأول وهلة جيدة، فقد نمت نبتات الحنطة العادية والسوداء جزيئاً بشكل أفضل من المعتاد، إلا أن تحليل العلماء للحبوب اثبت أن مكوناتها قد تغيرت بشكل كبير. كما أن الطحين الناتج عن طحن هذه الحبوب كان بنوعية سيئة للغاية. ولم يتوصل العلماء بعد لطريقة تمكنهم من تجاوز هذا التغيير الجانبي بشكل يمكن من زراعة الحبوب لتوفير الخبز في الخمسين عام المقبلة. ويعمل فينكل في مكتبه المكتظ بالكتب والأوراق في المعهد من اجل إيجاد حل لهذه المشكلة.
قدرة النباتات على التكيف
يقارن الأستاذ الألماني بواسطة الكومبيوتر بين نتائج التجارب في الحقول المغطاة والمفتوحة وبين توقعات علماء المناخ، ويضع جداول حسابية من شانها تبيين التأثيرات المركبة المحتملة للتغير المناخي. وفي حال نجاح الإنسان في السيطرة على ارتفاع درجة حرارة الأرض، فإن الزراعة في المناطق الشمالية من وسط أوروبا ستتكيف من خلال تغيير طريقة التعامل مع التربة وزرع نباتات متغيرة النمو، وهو ما يتحدث عنه الأستاذ فينكل بيقين تام.
ويرى أن هناك فرصة كبيرة لزراعة النباتات المستغلة في إنتاج الطاقة، والتي تضرب جذورها عميقاً في التربة. ومن هذه النباتات البرسيم الذي كان يزرع في القرون الماضية من اجل توفير الأعلاف للماشية. وهذه النباتات تدفع بالمزيد من التربة الخصبة إلى سطح الأرض من خلال مد جذورها عميقاً في أعماق الأرض، كما أنها تمتص نسبة اكبر من ثاني أكسيد الكربون. وهذا كله يمكن الأرض الصالحة للزراعة من خزن المزيد من الماء.
وخلال حديثه مع المزارعين يؤكد فينكل على ضرورة التخلي عن زراعة الحقول بنوع واحد فقط من المحاصيل، وزراعة محاصيل حقلية متنوعة بأوقات نمو متباينة. فالظروف الجوية محددة زمنياً بشكل كبير، ومن يزرع محاصيل متنوعة، يمكنه أن يقلل من الخسائر التي قد تتسبب نتيجة تأثر نوع من المحاصيل بهذه الظروف الجوية. لكن كل هذه الجهود العلمية لا يمكنها أن تثمر إلا عندما يتمكن الإنسان من السيطرة على كمية الغازات المنبعثة الضارة بالبيئة. وفي حالة عدم تمكن الإنسان من تحقيق هذا فإن النظام البيئي سيتغير بطريقة لا يمكن للكثير من أنواع النباتات التكيف معها في الوقت المناسب.