«جازة الغربة» .. كيف يبحث شبابنا السوري في المغترب عن شريكة العمر ؟؟
البحث عن الاستقرار والاستمرار بالعيش الكريم وتأمين المناخ المناسب للعمل .. هذه العبارات التي بات يرددها شبابنا السوري المغترب في معظم دول العالم وخاصة في أوربا وأمريكيا ..
بناء الحياة الجديدة لا يمكن أن تنطلق إلا مع شريك مناسب للحياة , هذا هو حلم معظم الشباب اللاجئ في أوربا , ففي حين لا يزال البعض ينتظر الفرصة لبناء أسرته الصغيرة ، استطاع البعض الآخر تحقيق حلمه بعد رحلة بحث طويلة وخلال دراستنا في هذا الموضوع , تمكنا من رصد عدة حالات وتجارب مر بها شبابنا السوري في المغترب وإليكم بعضاً منها ..
رحلة بحث في اللجوء والتعارف ..
تعرفت الشابة السورية «لمى» والبالغة من العمر 23 عاماً ،على شاب سوري عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فتعلقت به وأحبته , وبعد زواجهما بيوم واحد فقط في سوريا ، بدأ الزوجان رحلة لجوئهما إلى ألمانيا .. ارتسمت على وجه لمى ابتسامة عريضة وهي تتذكر رحلتها الشاقة مع زوجها إلى ألمانيا قائلة : «لقد قضيت شهر العسل بالطريق .. وتعرفت على زوجي أكثر خلال رحلة اللجوء إلى ألمانيا» ، وتتابع لمى لوكالة الـ «DWعربية» الألمانية بالقول : «لقد كانت فترة تعارفنا قبل الزواج قصيرة جداً، ولكن بعد زواجنا بيوم واحد في سوريا، بدأنا رحلة لجوئنا إلى ألمانيا وكانت هذه الرحلة أيضاً رحلة تعارفنا على بعضنا البعض أكثر».
وتشير «لمى» التي وصلت برفقة زوجها إلى ألمانيا ، إلى أنه لم تكن لديها من قبل أي تصورات معينة عن مواصفات شريك حياتها ، ولكنها كانت تفضل أيضاً أن يكون من نفس بلدها ، معللة ذلك بأنه «أفضل لأننا نعرف تقاليد وعادات بعضنا البعض» , لكنها لا ترى وجود أي سلبيات في الزواج بين الألمان والسوريين ، لأنها تؤمن بأنه «لا يوجد فرق بين الأديان، طالما أن هناك إيمان وحب واحترام متبادل بين الطرفين».
جازة الغربة شو صعبة ..
اكتسب الشاب السوري «عمر مسلماني» شهرة كبيرة بين اللاجئين السوريين في ألمانيا , بسبب مقاطع الفيديو الكوميدية التي ينتجها وتصف حياة اللاجئين هناك .. وصل حديثاً إلى ألمانيا وهو يتحدث مع والدته التي تعيش في سوريا عبر الهاتف , ويخبرها عن رغبته في البحث عن شريكة حياته.
لكن الأم تبدي غضبها من تصرفه وتذكره بعاداته وتقاليده ، التي نسيها بعد وصوله إلى ألمانيا , فالأم .. هي المسؤولة الأولى في البحث عن العروس المستقبلية لابنها .. وبعد نقاش طويل ، حاول الشاب كسب رضى أمه بترك مهمة البحث لها ، مكتفياً بتحديد مواصفات فتاة أحلامه .. وبعد مرور شهرين ، يتصل الشاب مجدداً بوالدته ليخبرها أنه وجد أخيراً الفتاة التي كان يبحث عنه وهي ألمانية … هذا المشهد هو عبارة عن مقطع فيديو على موقع الـ«يوتيوب» لـ«عمر مسلماني» والذي أسماه «جازة الغربة» , يبلغ «مسلماني» من العمر 20 عاماً ، وهو شاب سوري استطاع خلال فترة وجيزة تعلم اللغة الألمانية وخلق شعبية له في أوساط اللاجئين الشباب بألمانيا.
يعالج عمر من خلال قناته على «يوتيوب» مواضيع مختلفة تهم الشباب السوري اللاجئ في ألمانيا ، كتعلم اللغة والاندماج والزواج , وعن فكرة تطرقه لموضوع «زواج السوريين من ألمانيات» ، يقول عمر : «فكرة الفيديو يمكن فهمها بطريقتين .. شاب تخلى عن عادات وتقاليد أهله بعد وصوله إلى ألمانيا وارتبط بفتاة أحبها ولكنها على عكس رغبة أمه ، والفكرة الأخرى أن هناك شباب مستعدون للارتباط بفتاة مخالفة تماماً لمواصفات شريكة حياتهم مقابل الحصول على الجنسية الألمانية».
مقطع الفيديو الذي نشره عمر لاقى ردود أفعال متباينة .. بعضهم وصفه بالعنصرية وذلك بسبب اختياره لفتاة سمراء البشرة للقيام بدور الفتاة الألمانية , فرد عليهم «مسلماني» يقول : «كل شخص يرى الجمال بشكل مختلف ، فكما هناك من يحب الشقراء ، هناك أيضاً من يرى الجمال في السمراء ، والفتاة لعبت الدور عن قناعة تام» , وقد ارتبط «عمر» مؤخراً بفتاة سورية لاجئة في ألمانيا ، بعد أن اكتشف أنه لا يمكنه الارتباط إلا بفتاة من نفس بلده , وفي هذا الصدد يوضح الشاب السوري لوكالة الـ «DWعربية» الألمانية بالقول : «هناك أشياء كثيرة كانت تدور في رأسي ، وبعد عدة علاقات عابرة مع ألمانيات ، أحسست أنه يجب أن أوقف هذه العلاقات .. كما كنت دائماً على يقين بأن اللحظة التي أرتبط فيها بابنة بلدي ستأتي ، لأنها تفهمني أكثر ونتقاسم نفس الذكريات وعشنا الأحداث نفسها بسوريا».
زواج “باب الحارة” ..
يقول «يحيى» من مدينة دير الزور والبالغ 26 عاماً , بأنه وصل إلى ألمانيا منذ فترة طويلة ، وبأنه ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسس لمجموعة مغلقة للزواج والتعارف على فيسبوك المسماة «زواج السوريين في ألمانيا» , ويضف بالقول بأنه : «إلى الآن حصلت عشر حالات زواج بين اللاجئين السوريين في ألمانيا عن طريق صفحته ، التي تعد واحدة من بين صفحات للتعارف والزواج التي انتشرت مؤخراً بشكل ملحوظ».
وكما هو معروف فأن «قرار الزواج» يرتبط بعادات وتقاليد متجذرة في المجتمع السوري ، كمشورة الأهل وإشراكهم في اختيار الزوجة ، والتي لمس بعض الشباب اختفاء معالمها خلال سنوات الحرب الماضية وفي ظروف اللجوء , ويفسر «يحيى» ذلك بأنها «أزمة يعاني منها العديد من أبناء جيله ، ألا وهي العثور على شريكة الحياة المناسبة في ظل ظروف الحرب واللجوء» ، مضيفاً : «يراسلنا شباب سوريون بمواصفات تتمناها أي فتاة من وسامة وأدب وأخلاق ومستوى دراسي وثقافي عال وبدون شروط ، فمنهم من لا يمانع في الارتباط بفتاة مطلقة أو تكبره بالسن , مطلبهم الوحيد هو الاستقرار العاطفي ، الذي أصبح صعب المنال بالنسبة للشاب السوري».
ويفتقد «يحيى» لنموذج المرأة الشامية التي تشتهر ببراعتها في تدبير شؤون منزلها وطاعة زوجها , أما عن مواصفات شريكة حياته فيقول : «أتمنى الزواج من فتاة سورية محجبة وبنت حلال تطيع زوجها وتصونه .. ولكن الوضع الذي لمسته لا يبشر بأن أجد هذه المواصفات , فيمكن أن أتزوج أنا أيضاً بألمانية ، من يدري؟؟» , ويعزو السبب في ذلك لتغير عقلية بعض الفتيات السوريات في ألمانيا ، واللَواتي أصبحت لديهن شروط تعجيزية ، بحسب قوله.
المهور التعجيزية تلاحق الشباب السوري إلى المغترب !!
وتشاطره «لمى» الرأي بأن «بعض بنات بلدها كان يقبل الزواج من أي شاب في بلدهن ، حتى لو كان يكبرهن سناً أو كان مطلقاً , لكن بعد وصولهن إلى أوروبا ، تغيرت أفكارهن وأصبحن يطلبن مهوراً تعجيزية ومنهن من طلبن الطلاق» , في المقابل ترى كل من «هنادي» 24 عاماً، و«إلين» 26 عاماً، وهن لاجئات في ألمانيا، أن وصول الفتيات لبلد يضمن لهن حقوقاً كن يحلمن بها في بلدهن، كالتعليم والاستقلال المادي والحرية في الارتباط ، جعل بعض الشباب يتوجس ريبة من الارتباط حتى بسوريات ويتذمرون من وضعهن الجديد.
أما «عمر» فلاحظ أيضاً تغير عقلية بعض الشباب في ألمانيا وتخليهم عن عادات وتقاليد الأهل ، معتبراً أن «الشعب السوري شعب محافظ وأغلب العائلات لا تزال متمسكة بعاداتها وتقاليدها , كما أن للأم في المجتمع السوري دور في اختيار شريكة حياة ابنها».
حب في زمن اللجوء ..
بالرغم من الصعوبات التي تواجه اللاجئين السوريين في لم شمل عائلاتهم ، تمسك «محمد عجان» وهو شاب سوري يبلغ من العمر 26 عاماً ، بحب صديقة طفولته التي لا تزال تعيش حالياً في سوريا , وهو يعيش منذ عام 2015 في إحدى الدول الأوربية ، وخطب مؤخراً الفتاة التي اختارها شريكة لحياته بعد إعجاب وحب متبادل , ليصرح «محمد» عن عذابه في الوصول لشريكة حياته بالقول : «هذا لم يكن قراري ، لأنني شخصياً لا أهتم بجنسية شريكة حياتي ولا دينها ولا طائفتها ، وكل ما يهمني هو وجود أشياء أخرى أهم , مثل الحب والتفاهم والإخلاص والأخلاق» , وبحسب منظوره الشخصي عبر قائلاً : «ليست لديّ مشكلة أن أرتبط بفتاة مطلقة ولكن لا يمكنني مثلاً الارتباط بفتاة مرت بعلاقة غير شرعية ، خصوصاً إذا كانت الفتاة عربية وملمة بالعادات والتقاليد».
الزواج طريق لنيل الجنسية أم للاندماج ؟
يقول «محمد» إن ارتباطه بألمانية لاقى قبول عائلته بسبب خاله الذي سبقه بالارتباط بألمانية منذ 45 عاماً .. «محمد» شاب سوري يبلغ من العمر 28 عاماً ، تزوج منذ سنة فتاة ألمانية , تعرف عليها في إحدى الفعاليات التي تقام لصالح اللاجئين .. يتحدث «محمد» عن تجربة زواجه قائلاً : «زوجتي عضوة بإحدى المنظمات التي تساعد اللاجئين وهناك تعرفت عليها وعلى أهلها فيما بعد ، وقضينا وقتاً طويلاً ليتعرف كل منا على ثقافة الآخر ويحترم خصوصياتها».
حرصت زوجة «محمد» على إدماجه في المجتمع الألماني قبل زواجهما ، وذلك بمساعدته في طلب اللجوء والدراسة ، مما أسهم بشكل كبير في خلق تقارب بينهما ونجاح زواجهما فيما بعد , كما يقول .. وعن ردة فعل عائلته بعد إخبارهم بقرار زواجه قال : «التجربة الناجحة لزواج خالي بألمانية ، والتي تمتد لـ 45 عاماً، كان لها الفضل في تقبل عائلتي لزواجي» , هذا ويعيش محمد حالياً مع زوجته الألمانية في مدينة «ماغدبورغ» حيث ينتظران مولودهما الأول.
آراء الشباب السوري حول تجربة الزواج من ألمانيات ما تزال متباينة ، فمنهم من يرى أن هناك فئة من الشباب لا تهتم بالعادات والتقاليد ويريدون خوض حياة جديدة والانخراط بالمجتمع الغربي ، والزواج يكون كوسيلة لمساعدتهم على الاندماج في هذا المجتمع , في المقابل يعبر البعض الآخر عن رفضهم الشديد لفكرة الزواج من أجنبية للحصول على الجنسية ، لأنه يعتبر هذا الأمر لعباً بالمشاعر، ويرى الباحث الاجتماعي «سامي شرشيرة» أن هناك فئة من اللاجئين ، ليس فقط السوريين ، تصر على البقاء في الدول الأوربية , مستعدين لفعل أي شيء ، لضمان البقاء على أراضيها فلا يمكن أن نستبعد فكرة الزواج كطريق للبقاء والاستقرار».