عودة «400» منشأة صناعية في «الكلاسة» بحلب للعمل !!
بعد أن قامت قوات الجيش العربي السوري بتحريرها في الحادي عشر من كانون الأول لعام 2016 , عاد أهلها على الفور ليمارسوا حياتهم الطبيعية متحدين بذلك كل أشكال الدمار والخراب الذي لحق بهم ..
أهالي حي «الكلاسة» في حلب هم جزء من الأحياء الشرقية , وأكثرهم تضرراً من جرائم العصابات الإرهابية , لكونها تشكل تجمعاً لأعداد كبيرة من السكان واليد العاملة .. وتضم العديد من المحال التجارية والمعامل والمصانع التي أنشأت وتأسست منذ خمسينيات القرن الماضي , لتعود إليها الحياة مع أول أيام إعلان الجيش العربي السوري والحلفاء لتحريرها من رجس العصابات الإرهابية.
شكلت عبر العصور رافعة حقيقية للمنتجات الصناعية السورية وخاصة النسيجية والبلاستيكية , تتلمذ فيها كبار الصناعيين وتخرج فيها شيوخ الكار وخاصة في مجال صناعة النسيج , ومن جديد فتحت المدينة الصناعية بالكلاسة في حلب أبوابها بعد أن أعاد إليها الجيش العربي السوري الأمن والاستقرار لتشكل قيمة مضافة أخرى على صعيد عودة عجلة الصناعة للإنتاج.
من يزور منطقة «الكلاسة» الصناعية يستبشر خيراً ويلمس قوة إرادة السوريين حيث عادت مئات المنشآت الصناعية إلى العمل رغم صعوبة الظروف والشعور بالأسى لحجم الدمار الهائل الذي خلفه الإرهاب في هذه المنطقة التي كانت شعلة من النشاط وقلعة من قلاع الصناعة السورية قبل عام 2012 وهي اليوم بكل إصرار تتلمس طريق التعافي والنهوض من جديد.
ويوضح السيد «لؤي سكر» عضو لجنة المنطقة الصناعية بالكلاسة أن : «منطقتي الكلاسة والعرقوب هما أقدم المناطق الصناعية بحلب وتتركز فيهما بشكل أساسي صناعة النسيج والصناعات البلاستيكية , وزاد عدد المعامل المنتجة فيهما قبل دخول الإرهاب إليها على 2000 معمل , مشيراً إلى أن غرفة الصناعة ولجنة الكلاسة حرصتا على إعادة تشغيل المعامل فيها “بالسرعة الممكنة” بعد تطهيرها من الإرهاب ونسقتا مع الجهات المعنية بالمحافظة لإزالة الأنقاض وفتح الطرقات وتعزيز حالة الأمن والأمان فيها , إضافة إلى التواصل مع الصناعيين وتشجيعهم على العودة لمعاملهم وتشغيلها وهو ما أثمر عن عودة 400 معمل حتى الآن في حين يعود يومياً نحو 10 معامل وذلك رغم الدمار الكبير الذي ألحقه الإرهاب بالمباني والآلات وخطوط الإنتاج وسرقة الكثير منها».
ويضيف سكر إن العمل «مستمر للتغلب على المشكلات الطارئة ومنها نقص العمالة المؤهلة والمدربة حيث ستقيم غرفة الصناعة دورات تأهيلية لعمال النسيج» , معتبراً أن «تأمين الكهرباء لمدة 8 ساعات يومياً سيسهم في مضاعفة عدد المنشآت العاملة حيث يضطر الصناعيون للاعتماد على محركات الديزل وهو ما يزيد من كلف الإنتاج ويضعف من قدرته على المنافسة» , ونوه إلى «ضرورة تلافي الآثار السلبية لقرار اعتبار الأقمشة مواد أولية لما له من نتائج كارثية مستقبلاً على الصناعة الوطنية, حيث أن أهالي حلب عموماً والصناعيين منهم على وجه الخصوص أثبتوا أنهم يملكون الكثير من الصبر والتحمل والقدرة على العمل والإبداع في كل الظروف».
الصناعي «عز الدين باكير» يوجه من منشأته المتخصصة بالصناعات البلاستيكية رسالة قوية بشكلها ومضمونها فمن بين الركام والدمار الذي ألحقه الإرهاب بمنشاته المؤلفة من أربعة طوابق ودمر أكثر من 80 بالمائة منها استطاع الانطلاق بالعمل مجدداً بعد أن أجرى صيانة لجزء من الطابق الأرضي من المنشأة وأعاد تشغيل آلاته , لافتاً إلى أنه عاد لمنشأته فور قيام الجيش العربي السوري بتطهير المنطقة من الإرهاب وبدأ رغم الدمار والتخريب برفع جزء من الأنقاض وقام ببعض الأعمال الإنشائية البسيطة لعزل وتأهيل ركن صغير من المنشأة وعاود العمل فيه مع عماله مستكملا مسيرة عقدين من العمل والإنتاج بعد أكثر من خمس سنوات من التوقف القسري نتيجة الإرهاب.
الصناعي «أحمد شوك» المختص في تصنيع قوالب المنتجات البلاستيكية يؤكد أنه لم يكن يتوقع العودة لمنشأته عندما خرج منها عام 2012 نتيجة هول ما فعلته التنظيمات الإرهابية عند دخولها لذلك كانت فرحته مضاعفة بتحرير المنطقة وعودته لمعمله , لافتاً إلى أنه رغم غياب التيار الكهربائي وبعض الصعوبات الإدارية والتقنية وقلة اليد العاملة الخبيرة والمدربة إلا أنه أصر على العودة السريعة لمنشأته وأعاد تأهيل المعدات الأساسية فيها وعاود الإنتاج .. ويشير إلى أنه سيزور معرض دمشق الدولي في دورته الحالية لرفد معمله بآلات حديثة لتطوير العمل , مؤكداً في تصريح للوكالة السورية للأنباء بأنه «في أقسى الظروف التي مرت على حلب لم يفكر لحظة بترك الوطن إيماناً منه بأن الوطن هو الأم التي تحتاج في وقت الشدة لرعاية الأبناء ووقوفهم معها».
ويفخر الصناعي «سامر سكر» صاحب معمل للنسيج والسيكولير بأنه «كان أول معمل يعود للعمل بعد أقل من أسبوع على تطهير المنطقة من الإرهاب نهاية العام الماضي» , مضيفاً إن هذه المهنة متوارثة في عائلته أباً عن جد التي أنشأت هذا المعمل مطلع الستينيات من القرن الماضي وتم تطويره على مراحل ورغم قيام العائلة بإنشاء معامل أخرى أكثر تطوراً وحداثة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار والليرمون إلا أنها حافظت على هذا المعمل في منطقة «الكلاسة» الصناعية التي تتميز بمكانة خاصة في قلب ووجدان الصناعيين وأهالي حلب فهي مثلت نقطة البداية للنهضة الصناعية وخاصة في مجال صناعة النسيج.
ويؤكد «سكر» أن الصناعيين يدينون بالامتنان والشكر لأبطال الجيش العربي السوري الذين قدموا التضحيات الجسام لتطهير منطقة «الكلاسة» ومدينة حلب من الإرهاب , لافتاً إلى أن صناعيي حلب يتميزون بالإرادة الصلبة والتحدي والقدرة على العمل والإنتاج والإبداع في أقسى وأصعب الظروف إلا أنهم بالمقابل «يحتاجون لبعض الدعم من الجهات الحكومية وخصوصاً الحاجة الماسة لتعديل التعليمات التنفيذية التي اعتبرت الأقمشة مواد أولية وخفضت الرسوم الجمركية عليها وهو ما من شانه تدمير صناعة النسيج العريقة في حلب في حال لم يتم تدارك هذا الأمر».
وفي معمل «محمد بسوت» للنسيج تشعر بعبق الماضي فآلات الإنتاج المستخدمة هي من الطراز القديم الذي يعود لأكثر من 75 عاماً ويشير «محمد» إلى أنه مصَّر على العمل والإنتاج ومؤمن بأهمية دور الصناعي في بناء الوطن ولذا عاود العمل رغم الظروف الصعبة التي مرت على المدينة والمنطقة وهو وعماله يتابعون العمل ويتمنون أن يكون لهذه المنطقة رعاية خاصة من الجهات الحكومية لتوفير الدعم لها.