تحقيقات

حزب البعث العربي الاشتراكي يحتفل بالعيد الـ71 على تأسيسه

ربما الكثير من السوريين يسمع ويعرف ويتابع نشاط «حزب البعث العربي الاشتراكي» الحزب الحاكم في سورية وفي بعض البلدان العربية الأخرى وقد لا يكون لديه الإلمام الكافي بتاريخه وظروف نشأته, وبهذه المناسبة سنقدم لكم موجز تاريخي عن هذا الحزب ..
الحزب تأسس في العاصمة السورية دمشق، في الـ7 من نيسان لعام 1947 تحت شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» وقد حدد أهدافه بالـ«وحدة حرية اشتراكية» وهي تجسيد للوحدة العربية والتحرر من الاستعمار والإمبريالية وإقامة النظام الاشتراكي العربي .. وهو الحزب الحاكم في سوريا منذ ثورة الثامن من آذار في عام 1963 حتى الآن وكان الحزب الحاكم للعراق منذ 17 تموز 1968 حتى انهيار نظام صدام حسين بتاريخ 9 نيسان 2003 في أيدي قوات العدوان والتحالف الأمريكي والبريطاني.
يوصف حزب البعث على أنه مزيج من «الاشتراكية، والقومية العربية والعلمانية» يحمل فكر القومية العربية ويدافع عنها ويسعى للإطاحة بالأنظمة العربية العميلة والتابعة لقوى الاستعمار الغربي, كما أنه يناشد لتحقيق وحدة الشعوب العربية سياسياً واقتصادياً وجغرافياً وثقافياً .. ويدعم أي خطوة من مشاريع الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار.
 وقد اصطدمت هويته الوطنية والقومية مع الحكومات العربية المختلفة في أماكن وجود الحزب فهو يرفع شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» أما أهدافه فقد حددها بـ «وحدة، حرية، اشتراكية» وترمز "الوحدة" إلى اتحاد الأقطار العربية، و"الحرية" إلى التحرر من القيود الأوروبية وتحرر الأقطار العربية منها , فيما حدد الحزب هدفه من "الاشتراكية" بدعمه للاقتصاد الاشتراكي بدرجة متفاوتة، فهو يدعم الملكية العامة لكنه يعارض مصادرة الممتلكات الخاصة.
والجدير بالذكر أنه لم يطبق هذا الشعار إلا في العراق وسوريا منذ صعود الحزب للحكم, وبسبب أفكاره المتجددة والداعية لوحدة العرب والحفاظ على هويتهم ومقدراتهم وخيرات بلادهم فقد اصطدم الحزب وفكره بالقوى الرأسمالية العالمية مما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالقارة الأوربية إلى جر المنطقة لحروب وفتن تقوم بإشعالها بين الفترة والأخرى وكان آخرها دعم التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق والعمل على تصفية الشخصيات السياسية والعسكرية والثقافية والعلمية بالإضافة للخبرات والكفاءات بهدف تصفية الفكر القومي والعروبي وقد عرفت هذه العملية إعلامياً بـ«حملة اجتثاث البعث».
وبالعودة للتاريخ .. فقد نشأ حزب البعث في بداية الأربعينات على يد «ميشيل عفلق وصلاح البيطار» الذين ينحدران من الطبقة المتعلمة المتوسطة في دمشق, فبعد عودتهما من دراستهما في باريس «البعثة السورية» إلى دمشق عام 1933، بدأ الأستاذان بالتبشير بأفكارهما وسط الطلاب والشباب وعملا على نشرها .. أخذت هذه الأفكار تستقطب حولها عدداً من الشباب القوميين المتحمسين من طلبة المدارس والجامعات، إلا أن التجمع لم يتحول إلى حركة سياسية إلا في بداية الأربعينات حين شكل «عفلق والبيطار» جماعة سياسية منظمة باسم «حركة الإحياء العربي» التي أصدرت بيانها الأول في شباط عام 1941.
وما لبثت هذه الجماعة أن أكدت اختلافها عن التنظيمات القطرية في الساحة السورية آنذاك بوضعها المبادئ القومية التي كانت تدعو إليها موضع التطبيق عندما أعلنت تأييدها للانقلاب في العراق ضد الاحتلال البريطاني في الثاني من أيار عام 1941 بقيادة «رشيد عالي الكيلاني» ومعركة أم المعارك، وأسست ما عرف باسم «حركة نصرة العراق» التي انخرط فيها كل أعضاء الجماعة الفتية بالإضافة إلى شباب من خارجها .. وابتداءً من حزيران 1943 أصبحت بيانات الحركة تحمل اسم «حركة البعث العربي» ومن الأعضاء المؤسسين : «المحامي جلال السيد» ابن مدينة دير الزور.
يرد في بعض المصادر الفكرية بأن لزكي الأرسوزي والذي يعتبر من أبناء «لواء الاسكندرون» السوري، دور في تأسيس حزب البعث، وبأنه كان من دعاة القومية العربية، إلا أن فكره يختلف جذرياً عن فكر البعث، حيث أنه «لا يدخل الاشتراكية في فلسفته السياسية، وهو أقرب إلى التفكير النازي» كما يقول عنه «جلال السيد» في كتابه «حزب البعث العربي».
خاضت «حركة البعث» الانتخابات العامة في سورية عام 1943 للإعلان عن مبادئها على أوسع نطاق، ورشح «ميشيل عفلق» نفسه في بيان حمل أول وأقدم شعارات الحزب : «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» وكان الأستاذان «عفلق والبيطار» قد استقالا من مهنة التدريس قبل ذلك بعام ليتفرغا للعمل الحزبي، وافتتحا أول مكتب للحزب في دمشق سنة 1945، وفي هذا التاريخ تمت أول حفلة قسم في حياة الحزب ولم يكن عدد أعضائه يوم ذاك يتجاوز الأربعمائة .. وفي تموز عام 1946 صدرت جريدة البعث اليومية كصحيفة رسمية للحزب إلا أن السلطات الرسمية في ذلك الوقت لم تلبث أن أغلقت الصحيفة لأنها كانت معارضة للحكم وتتحدث عن فساده.
تم تأسيس «حزب البعث» بصورة رسمية عندما انعقد مؤتمره الأول في دمشق في 7 نيسان 1947 وأنتخب «ميشيل عفلق» عميداً له .. وعمل «البعث» على مواجهة التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة العربية وتوطيد القومية العربية، وأصبح له تأثير فعال على الحكم في سوريا بعد الاستقلال سنة 1946.. وسرعان ما انتشر الحزب في بعض البلدان العربية كالعراق ولبنان وفلسطين والأردن واليمن بالإضافة إلى البلد الأصلي سورية.
في سنة 1952، اندمج «حزب البعث العربي» مع «الحزب العربي الاشتراكي» الذي كان يرأسه «أكرم الحوراني» في حزب واحد أصبح اسمه «حزب البعث العربي الاشتراكي» كحزب قومي عربي يسعى لخلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته .. ونظراً لاتساع القاعدة الجماهيرية للحزب في عدد من الأقطار العربية تم في عام 1954 عقد أول مؤتمر قومي للحزب وتأسست القيادة القومية وتم تغيير لقب «العميد» إلى «الأمين العام للحزب» وهو رأس القيادة القومية وأعلى سلطة في الحزب وكان أول أمين عام في تاريخ «حزب البعث العربي الاشتراكي» هو «ميشيل عفلق» وحضر المؤتمر عدد من البعثيين من عدة أقطار عربية «سورية , الأردن , لبنان , العراق» وانتخب المؤتمر القيادة القومية الأولى وضمت سبعة أشخاص 3 من سوريا و2 من الأردن و1 من لبنان و1 من العراق.
وفي الفترة ما بين 1955 و1958 كان «حزب البعث» من أبرز الداعين إلى وحدة سوريا ومصر وعدم الاعتراف بكيان الاحتلال الصهيوني ونجح في تحقيقها مع الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» عام 1958.. ولكن الوحدة لم تصمد طويلاً فحصل الانفصال عام 1961 وكان من مؤيديه «أكرم الحوراني»، الذي فصل من «حزب البعث» على أثر ذلك .. ودام حكم الانفصال من 28/9/1961م وحتى 8 آذار 1963 حين استلم حزب البعث السلطة في سورية عن طريق انقلاب عسكري سمي بـ«ثورة الثامن من أذار».
في 23 شباط عام 1966 نفذ عدد من الضباط البعثيين السوريين انقلاباً على الدولة، غادر على أثره «ميشيل عفلق وصلاح البيطار» سوريا نهائياً، وحصل انقسام في «حزب البعث»، لكن سرعان ما انحلت المشاكل واتحد الحزب.
وفي 16 تشرين الأول عام 1970 قاد اللواء البعثي «حافظ الأسد» وزير الدفاع السوري ورئيس اللجنة العسكرية بحزب البعث في وقتها وبرفقة مجموعة من الضباط البعثيين حركة عرفت بـ«الحركة التصحيحية» لتطهير «حزب البعث» من العملاء وتقوية سلطته في البلاد وهو يعتبر العصر الذهبي لحكم «حزب البعث» في سوريا .. واستلم بعدها البعثي «أحمد الخطيب» سدة الرئاسة مؤقتاً .. ثم استلم القائد البعثي «حافظ الأسد» أمانة الحزب القطرية «رأس القيادة الحزبية في القطر العربي السوري» وأصبح أيضاً أميناً عاماً للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي .. ورئيساً للجمهورية العربية السورية والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة منذ 22 شباط عام 1971 حتى وفاته بأزمة قلبية يوم الـ 10 من حزيران لعام 2000 .. حيث عمل الرئيس البعثي «حافظ الأسد» على بناء دولة البعث في سوريا وتقويتها بمختلف المجالات مما جعل «حزب البعث» القائد في الدولة والمجتمع، وشهدت سوريا في عهد حكم البعث نهضة سياسية واقتصادية وثقافية وفنية جعلها رقم صعب في المعادلات الدولية.
بعد وفاة الرئيس البعثي «حافظ الأسد» انتخبت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي القيادي البعثي «بشار حافظ الأسد» أميناً قطرياً للحزب ورئيساً للجمهورية العربية السورية وقائداً أعلى للجيش والقوات المسلحة في 17 تموز 2000 وحتى يومنا هذا.
واليوم تحيي جماهيرنا البعثية الذكرى الـ71 لتأسيس هذا الحزب .. وسوريا والعراق واليمن يتعرضون لأكبر حرب شرسة عرفتها البشرية في تاريخها تقودها دول التحالف الأمريكي عبر النفوذ والأموال الخليجية التي صنعت تنظيمات إرهابية هدفها ضرب القوى والدول المقاومة لمشاريع الهيمنة الاستعمارية والرافضة للاعتراف بكيان الاحتلال الإسرائيلي, فما زال «حزب البعث» ورغم الإعصار الذي تشهده البلدان العربية المؤمنة بفكره القومي متمسكاً بقضيته المركزية والأولى وهي نصرة «القضية الفلسطينية» وطرد العدو الإسرائيلي من الأراضي العربية.

بواسطة
أحمد دهان
المصدر
شهبانيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى