أبواب مدينة القدس مغلقة أمام نشاطات المدينة الثقافية
تزال مدينة القدس حاضرة على الرغم من كل محاولات طمس هويتها، والإصرار على شطبها كمركز روحي ثقافي وسياسي.. وفي هذا السياق إنطلقت فعاليات إعلان القدس عاصمة الثقافة العربية لعام2009 في بيت لحم
وفي عدد من المدن في الضفة الغربية، بعد أن منعت إسرائيل الاحتفال بهذه المناسبة كما كان مقررًا في القدس، بقرار من وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي افي ديختر، والذي أصدر تعليماته إلى الشرطة بقمع أي محاولة لإقامة احتفالات متعلقة بإعلانها عاصمة الثقافة العربية في القدس أو في مدينة الناصرة، ومن جانب آخر داهمت الشرطة الإسرائيلية مؤسسات في القدس الشرقية، واعتقلت عددًا من الفلسطينيين بينهم الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية لـ 7 ساعات ومن ثم أطلقت سراحه.
وعلى ضوء الإعلان عن القدس عاصمة للثقافة العربية، نظم مركز إعلامي للصحافيين الفلسطينيين في إسرائيل، جولة ميدانية شارك بها مجموعة من الصحافيين بهدف تسليط الضوء على معاناة أهل القدس والوجه العام للمدينة وخاصة في ظل الإعلان عنها كعاصمة للثقافة العربية. إلى ذلك تشهد القدس اكبر عملية تهويد واستيلاء على الأرضي والممتلكات الفلسطينية، وتؤجج إسرائيل من قمعها ضد سكان المدينة من خلال الإجراءات التي تضاعفت وطأتها مؤخرًا، إضافة الى منع القيام باحتفالات مما أضاف طابعًا تراجيديًا وإعلاميًا مميزًا لعاصمة الثقافة العربية.
إغلاق معرض (فارس الأحلام) للفنان أحمد كنعان
وفي سياق متصل، قامت الشرطة الإسرائيلية وبأمر من وزير الأمن الإسرائيلي افي ديختر، بإغلاق معرض فني (فارس الأحلام) ضم أعمالا للفنان التشكيلي الفلسطيني أحمد كنعان من الجليل، والذي أقيم قبل أسبوع من انطلاقة نشاطات القدس عاصمة الثقافة، في المسرح الوطني الفلسطيني"الحكواتي"، وتم إغلاقه بحجة إقامته ضمن فعالية القدس عاصمة الثقافة العربية.
وفي حديث مع كنعان ذكر: "هناك علاقة قوية تربطني بمسرح الحكواتي، بحيث كان المعرض الأول لأعمالي الفنية، ولهذا رأيت بأن هناك أهمية في تجديد الترابط مع مكان انطلاقاتي، ومع الفنانين الذين عملت معهم من منطقة القدس في السابق، وتفاجأت من إرسال افي ديختير أمر، بإغلاق المعرض التشكيلي الذي نظمته من دون أي علاقة أو صلة مع انطلاقة فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية".
ويؤكد الفنان أحمد كنعان بأن المعرض لم يتلق أية دعم من أية جهة، خاصة وأن مسرح الحكواتي يعاني من شح في الميزانيات، الأمر الذي أدى إلى إرسال دعوات للمشاركة في المعرض بواسطة البريد الإلكتروني، ونقل أعماله الفنية بشكل شخصي. وأشار كنعان إلى أن "العديد من السياح ومن السفراء الأجانب في إسرائيل قدموا إلى المعرض الفني، واشتروا عددًا من اللوحات مثل السفير التشيكي"، كما تلقى كنعان عدة اتصالات من سفراء مثل السفير البلجيكي الذي اهتم بزيارة المعرض، إلا أنه تفاجأ عند وصوله لمسرح الحكواتي، لقاعة المعرض برفقة مجموعة أخرى من السياح ليجده مغلقًا وقد وضعت عليه أشرطة حمراء للدلالة على أنه ممنوع الدخول.
أما عن نص أمر إغلاق مسرح الحكواتي : "علمت أنه في تاريخ 22/3/09 يوجد لديكم نية أن تقيموا في مسرح " الحكواتي" بالقدس معرض رسومات في إطار أحداث القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 من قبل أو تحت رعاية السلطة الفلسطينية وهذا من دون أن يعطي تصريح كتابي لذلك، كما هو مطلوب في بند 3(أ) لقانون تطبيق اتفاق الوسط بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة(تحديد فعاليات)_1994".
وشمل أمر الإغلاق كذلك: "بقوة صلاحيتي حسب بند 3(ب) للقانون. أني آمر بعدم إقامة المعرض المذكور في مسرح" الحكواتي" أو في كل مكان داخل إسرائيل". وعقب كنعان على أمر إغلاق المعرض قائلاً: "سأواصل عملي الفني وقرار إغلاق المعرض كان غريبًا، بحيث لم يعرف مضمون ومحتوى الأعمال التي عُرضت داخل المعرض".
خطط تويد القدس مستمرة
من جهة اخرى، ناشد غالبية سكان القدس العواصم العربية النظر لحال المدينة فخطط التهويد مستمرة ومكثفة، ومشاريع هدم أحياء فلسطينية تشير إلى أن القدس بات يتهددها اندثار وغياب لكل ما هو فلسطيني. وفي حديث مع نفوز تميمة من القدس الشرقية والتي تسكن في بيت مهدد بالهدم، في حي برج اللقلق قالت: "لقد تلقينا قرار هدم للمنزل قبل أسبوعين، وذلك بسبب إضافة غرفة صغيرة، بالرغم من أننا نقوم بدفع الضرائب منذ سبعة عشرة عامًا، وقد تكلفنا بأكثر من 300 ألف شاقل ضرائب، بالاضافة الى تكلفة المحاماة التي تعد بآلاف الدولارات، فجأة وإذا بنا نستلم قرار هدم المنزل بأكمله، على الرغم أنه مرخص قانونيًا، ما عدا الغرفة التي تمت إضافتها".
جدار الفصل يغير معالم الجغرافية في القدس
وتتغير الأساليب التي تنتهجها إسرائيل ضد القدس، فهي تسعى لفك الترابط الجغرافي بين المدن، وتغيير الجغرافية في الوقت الذي تجتهد لتغيير التاريخ أيضًا، وتعتمد بالأساس على جدار الفصل لتقسيم البيوت والحارات والمدن الفلسطينية. وتتعدد معاناة بسبب جدار الفصل، فقد أشار علي عبيدات، الصحافي المقدسي من جبل المكبر، إلى معاناة الفلسطينيين بسبب بناء الجدار قائلاً: "عندما بدأ الحديث عن جدار الفصل، لم نتصور بأن حال بلدتنا السواحرة سيصبح مأسويًا لهذه الدرجة، فهي مقسمة بفعل الجدار لقسمين شرقي وغربي".
وأفاد: "قبل الجدار كان باستطاعتنا التنقل بحرية، والآن بعد أن ثبت الجدار واقعًا على الأرض، لم تعد هناك امكانية للتنقل، وقد شتت شمل عشرات العائلات ما بين الشق الغربي للبلدة والشق الشرقي الذي عزل بشكل كامل عن المدينة، هناك عائلات كاملة قسمت نصفين، الأب والأطفال في الشق الشرقي، والأم في الشق الغربي، أو العكس". ووصف عبيدات حالات إنسانية مؤلمة، يتعرض لها المقدسيون في السواحرة، التي قسمت قسمين.
ويؤكد الصحافي المقدسي علي عبيدات بأن اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، خطوة رمزية وسياسية مهمة، تدلل على أن القدس ستبقى عاصمة عربية، لافتًا إلى ضرورة اغتنام هذه المناسبة لدعم الصمود، ولدعم الهوية الثقافية العربية للمدينة. وأضاف: "من يراقب وضع القدس يستطيع أن يرى كيف تقوم اسرائيل بتهويد المدينة وسط صمت من الجميع، وقد رفض الاحتلال بشكل قطعي أن يتم الاحتفال في القدس كعاصمة الثقافة العربية، إلا أن هناك إصرارًا من سكان المدينة على الاحتفال مما عرضهم للضرب والاعتقال.
"يجب دعم القدس سواء كانت عاصمة الثقافة العربية أو لم تكن"
وعن كيفية دعم مدينة القدس أفاد عبيدات: "بداية المفروض أن تحظى القدس باهتمام أكبر من قبل العواصم العربية سواء كانت عاصمة الثقافة العربية أو لم تكن كذلك، المطلوب دعمها اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وعلى كافة الأصعدة.
وأشار إلى أنه يجب دعم الهوية العربية الفلسطينية داخل القدس، فكل ما هو عربي بالقدس منع، حتى الاحتفال في عيد الأم، حيث داهمت الشرطة خيام الاعتصام، واعتقلت عددًا من المواطنين ومنعت رفع العلم الفلسطيني، ففي الوقت الذي أراد العرب أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية، حولتها إسرائيل الى ثكنة عسكرية صامتة ومجردة من أي معنى عربي".
وراى عبيدات أنه كان على الدول العربية، بخاصة التي تتمتع بعلاقات مع إسرائيل أن تتخذ موقفًا أكثر حزمًا، من القرار الإسرائيلي منع الاحتفالات بالقدس عاصمة الثقافة داخل المدينة المقدسة، فاسرائيل تعلن مرارًا وتكرارًا أن القدس لن تكون عاصمة لدولة فلسطينية. ولفت عبيدات إلى الحراك الداخلي في إسرائيل، وما سيفرزه الائتلاف الحكومي القادم، ويعلن بوضوح أنه لا يعترف بحل الدولتين، مشيرًا إلى أن القدس بحاجة إلى تدخل على الأرض لتعزيز الصمود أكثر من المهرجانات الخطابية والفنية، على الرغم من أهمية الأخيرة.