إلقاء الكتب والبحث عن عمل..مغامرات شبابية وصدمة واقع
جاؤوا فرادى من محافظات سورية لتجمعهم العاصمة دمشق، نسرين وأحمد ووائل وعبد الرحمن طلاب جامعيون كغيرههم من الشباب، حملوا حقائب السفر بعد أن كحلوا عيون أهلهم وذويهم بحصولهم على الشهادة الثانوية العامة ليشقوا طريقهم في العاصمة..
لكن هؤلاء ألقوا بكتب الجامعة جانباً لانتهاز فرصة عمل "تضمن مستقبلهم المهني " على حد قولهم، أو تؤمن لهم قوت يومهم كما أشار بعضهم.
مالذي حدث؟
يقول أحمد "26سنة": أسرتي مكونة من 6 أفراد وأنا أكبرهم سناً واعتقدوا أن بقدومي إلى دمشق سوف "أبيض لهم ذهباً" ولم يحسبوا أني بحاجة إلى أربع سنوات دراسية في قسم التاريخ على الأقل حتى "اقف على قدمي" وأجد عملاً.. لذلك اضطررت إلى البحث عن عمل ووجدت ذلك فعلاً في معمل للصابون ثم حارس ليلي في شركة عامة، والآن أعمل في محل تجاري في جرمانا وأجني مالاً.. حتى مرت أعوام سبعة نسيت فيها أني طالب جامعي.
حرق المراحل
بالمقابل فإن نسرين "24سنة" طالبة في قسم اللغة الإنكليزية تبحث في العاصمة عما تحلم به دائماً وهو أن تصبح ممثلة شهيرة.. لكن تقاليد عائلتها كما تقول لم تسمح لها بهذا الحلم فانقلب حلمها إلى كابوس لم تخرج منه إلا عنما وجدت عملاً في شركة اتصالات، وتضيف نسرين: "أنا ناجحة الآن في عملي وأدرس مابقي لي من مواد والحمد لله ولكن مشكلة التخرج تقف عائقاً أمام طموحي في العمل فعلى الفتاة أن تقرر ماذا تريد وأن تجد البدائل وتمشي قدماً لتحقيق ذلك حتى لوكان ذلك على حساب التأخر في الحصول على الشهادة الجامعية.
ضريبة رفاهية وزوجة
من ناحيته فإن حلم وائل (26سنة) أن يصبح طبيباً لكن مجموعه العام في الثانوية أطاح بهذا الحلم لينتقل إلى الفرع الأدبي ويحصل على مجموع يخوله الدخول في قسم اللغة الإنكليزية وعمل منذ السنة الدراسية الأولى عامل استعلامات في إحدى الفنادق الراقية وتعلم فنون البريستيج واللياقة والأناقة واللباقة والتسوق إلا أنه لم يجن "الثروة المطلوبة كما يقول" ، لكن ما جمعه من مال يكفي لأن يتمكن من البحث عن زوجة تمنحه الاستقرار في دمشق.
أحلام مبعثرة
".. تتعدد أحلامنا والجدار واحد.." هذا ماقاله عبد الرحمن (24سنة).."حلمت أن أصبح رساماً في طفولتي وعند المراهقة حلمت أن أصبح لاعب كرة قدم محترف أما في الثانوية فحلمت أن أصبح شاعرا وفي الجامعة لم يعد لي ما أحلم به سوى التخرج".
أما وسيم (28سنة) فحقق حلمه بأن يصبح مهندساً ناجحاً كما يقول وكل شيء على ما يرام كما يقول.. "لقد صبرت وتحملت كثيراً قبل أن أحقق ما أريده وأحلم به فعلاً كنت أقترض المال من أختي الكبرى لتغطية نفقات الجامعة والآن حصلت على عمل جيد والحمد لله".
تحذيرات لم تلق صدى
في العام الدراسي المنصرم نشبت معركة حوارية حامية الوطيس بين مجموعة من طلاب الإعلام من جهة وبين الدكتورة هزار الجندي المدرسة في القسم، والخلاف كان بين مؤيدين لفكرة العمل بموازاة الدراسة نظراً لقسوة العيش وقلة فرص العمل المناسبة بعد التخرج من جهة وبين رأي آخر لمجموعة من الطلاب تدعمه د. الجندي: "الحياة مبنية على تقسيم العمل فالطالب وظيفته أن يتعلم ويدرس في المقام الأول، فعندما يعمل الطالب فإنه يضحي بدراسته أو جزءاً كبيراً منها". وتضيف: "أدرك تماماً أنه ثمة مصاعب بالنسبة للجميع فطبيعة الحياة ومتطلباتها خصوصاً بالنسبة للشباب من لباس وتسلية وترفيه.. حسب إمكانات الغالبية العظمى لايملكون إمكانية تحقيق ذلك".
وتضيف د.الجندي .." مايحدث أن مجمل الشباب يبحثون عن عمل في مرحلة التعليم في حين أن وظيفته الأساسية هي الدراسة والتعلم كي لا يضيع سنوات فيما بعد.. ولكن عندما تكون فرصة عمل ولها آفاق قد تكون مبررة ولكن غالباً لتأمين الاحتياجات كمصروف مؤقت.
وتوضح الجندي: " ثمة دول مثل فرنسا وألمانيا وفرت لطلابها فرص عمل، وليس بالضرورة أن أدرس في اختصاص واحد وأعمل به فهناك مهارات متعددة، المشكلة تكمن في زج الاختصاص الواحد بأعداد كبيرة، والطالب يدفع ثمن فلسفة المجتمع في هذا المجال، فطالب التاريخ على سبيل المثال لا أحد يسأل عنه.
يجب أن يتحمل المجتمع بقطاعاته العامة والخاصة تقديم عمل مؤقت للطالب تكفي لتأميتن احتياجاته ومصروفه اليومي بشكل لائق ولتطوير مهاراته.
دراسة
أظهرت دراسة أعدتها هيئة تخطيط الدولة والهيئة السورية لشؤون الأسرة وصندوق الأمم المتحدة للسكان لدعم الاستراتيجية الوطنية للشباب في سورية أن أكثر من ثلثي الشباب يعتقدون بأنه على الشاب أن يحصل على شهادات جامعية بينما رأى 7ر57 بالمئة منهم بأنه على الفتاة أن تنال شهادات جامعية.
وأظهرت الدراسة التي شملت ستة آلاف شاب وشابة من جميع المحافظات أنهم يتحدثون مع أفراد أسرتهم غالباً حول القضايا المتعلقة بدراستهم، وأكثر من نصفهم يقيمون مثل هذا الحوار حول مسائل العمل وأحداث المنزل.
وبينت الدراسة أن أكثر من نصف الشباب لا يفكرون في المرحلة الراهنة بالزواج إما بسبب السن وإما بضغط العامل المادي، أما الذين يفكرون بالزواج فلديهم صعوبات أهمها عدم وجود مسكن وارتفاع تكاليف الزواج.
نسرين وأحمد ووائل وعبد الرحمن اختاروا "طريقهم وطرقهم" في العيش بدمشق دون أن يحسموا مسألة الدراسة، فمنهم من لم يستشر أهله وذويه معتبراً أن الواقع فرض نفسه، ومنهم من يتوق إلى العودة إلى مقاعد الدراسة تصويباً لأخطاء ندم عليها.