دير ياسين..تتمرد على النسيان..!
تقع قرية دير ياسين على المنحدرات الشرقية لتل يبلغ ارتفاعه 800 م, وتطل القرية على منظر واسع ورحب من جميع الجهات.بلغ عدد سكان دير ياسين قبل المجزرة عام 1948 حوالي 750 نسمة وعمل معظم سكانها في الكسارات والمحاجر في داخلها,
هذه القرية التي تغيرت معالمها تماما واصبحت تسمى اليوم ب " جفعات شاؤول " ولكن لا تزال بعض منازل القرية قائمة في معظمها عل التل حتى يومنا هذا. كانت قرية دير ياسين الفلسطينية تستريح وادعة عندما استباحتها العصابات الصهيونية في صبيحة يوم ربيعي قبل واحد وستين عاما، وامعنت قتلا فيها من دون تمييز بين شاب وشيخ وطفل او امراة، وحصدت ارواح نحو 250من ابنائها.ففي التاسع من نيسان 1948، زحف المئات من افراد عصابات "هاغاناه" و"ارغون"، و"شتيرن" بقيادة الارهابي مناحيم بيغن الذي اصبح فيما بعد رئيسا لحكومة"اسرائيل" في 1977، الى قرية دير ياسين، وبداوا مسلسل قتل همجي، ازهق ارواح العشرات من دون ذنب اقترفوه. في التاسع من نيسان, وفي كل عام, وبينما تعد"اسرائيل" العدة للاحتفال بعيد استقلالها الوهمي, يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى مجزرة دير ياسين التي قتل اهاليها برصاص العصابات الصهيوينة في اليوم التالي لاستشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في معركة القسطل التي قاد سقوطها ومن ثم مذبحة دير ياسين، إلى سقوط القدس وقيام إسرائيل، باعتراف المسؤول المباشر عن المجزرة مناحين بيغن زعيم منظمة "الأرغون" الصهيونية، الذي كتب ان "أسطورة دير ياسين ساعدت العصابات اليهودية في الحفاظ على طبريا واحتلال حيفا".
لقد عانى الشعب العربي الفلسطيني منذ قيام دولة اسرائيل الوانًا شتى من الكوارث التي انزلتها به الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية، ودير ياسين لم تكن الأولى ولا الأخيرة، فهناك الكثير الكثير، أسماء لا تعد ولا تحصى، ولكنها نقاط واضحة في ذاكرة كل فلسطيني، ويكفيها كي لا ننسى، ان نذكر دير ياسين، قبية، كفر قاسم، مدرسة بحر- البقر، رفح، الليطاني، عين الحلوة، صور، صيدا، بيروت، وغيرها المئات من القرى الفلسطينية التي هدمت بيوتها على رؤوس أهاليها، والمجرم واحد، هذا المجرم الذي ما زالت أفكاره الدموية تسيطر على قادة"إسرائيل" في تعاملهم مع الشعب الفلسطيني وحقوقه.
سنوات كثيرة مرت على مجزرة دير ياسين وما زال المجرمون يحاولون اقناع انفسهم والعالم بطهارة أيديهم وسلاحهم، الذي يطلق الرصاصة فتطير في الفضاء باحثة عن مكان تستقر فيه فلا تجد الا صدر العربي ليكون محطتها الأخيرة، وما زال الشعب الفلسطيني يدفع الثمن، فهل ننسى؟. لم تكن قرية دير ياسين الوادعة بحاجة إلى هذا الهجوم الصهيوني العنيف لإخضاعها، لكنه كان جزءاً من خطة شاملة تهدف إلى تحطيم المقاومة العربية عسكرياً، وإخلاء الأهالي من مدنهم وقراهم بإثارة الرعب والفزع في نفوسهم. وأدل شيء على ذلك هو قول الإرهابي مناحيم بيغن: "ما وقع في دير ياسين وما أذيع عنها ساعدا على تعبيد الطريق لنا لكسب معارك حاسمة في ساحة القتال، وساعدت أسطورة دير ياسين بصورة خاصة على إنقاذ طبريا وغزو حيفا". وهكذا تحول اسم هذه القرية العربية التي أبيد أهلها، ولم ينج منهم إلا أفراد قلائل، إلى رمز من رموز الإرهاب الصهيوني المرتبط بدوره بالعقيدة الإرهابية الصهيونية. وقد علق قائد وحدة "الهاغانا" على وضع القرية المنكوبة في ذلك اليوم، بقوله: "كان ذلك النهار يوم ربيع جميل رائع، وكانت أشجار اللوز قد اكتمل تفتح زهرها، ولكن كانت تأتي من كل ناحية من القرية رائحة الموت الكريهة ورائحة الدمار التي انتشرت في الشوارع، ورائحة الجثث المتفسخة التي كنا ندفنها جماعياً في القبر". لقد شكلت مذبحة دير ياسين بداية انطلاقة التطهير العرقي الذي كان سبيل الصهاينة في اقامة كيانهم الغاصب، ابادة على كافة المستويات جسدية وثقافية تم معها محو ما يربوا على الخمسمائة وثلاثين قرية فلسطينية عن بكرة ابيها، تطهير أصبح بمشاركة دولية فعلية ،فعندما وقف المجتمع الدولي عاجزا بوجه العصابات و تبجح مناحيم بيغن الذي وصف المجزرة"السكين الذي تقطع الدهن" يكون مشاركا فيها ، وعندما يحاصر الفلسطيني من قبل المجتمع الدولي لانتزاع اعترافا منه بحق جلاده يصبح الحصار مشاركة في هذه السياسة ، وعندما تقف الدول التي تدعي انها متحضرة بوجه الفاريين من هذه المذبحة وغيرها من المذابح الصهيونية لمنعهم حقهم بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها عنوة تصبح مشاركة فعليا في التطهير، وعندما تستخدم امريكا الفيتو لمنع ادانة الكيان الصهيوني على مذابحه المستمرة وفيتو مذبحة مخيم جنين رمزا فهي مشاركة فعليا في هذا التطهير. العطاء الفلسطيني الذي لا يكل:
في 25 نيسان عام 1948م و إثر مجزرة دير ياسين قامت السيدة هند الحسيني رحمها الله بالبحث عن المشردين و الناجين من أطفال دير ياسين, إذ شاءت الأقدار أن تلتقي بخمسة و خمسين طفلة و طفلا بلا أهل و لا مأوى بالقرب من كنيسة القيامة, و استطاعت بمساعدة بعض أهل الخيرومن أبرزهم السيد عدنان التميمي استئجار غرفتين في سوق الحصر في البلدة القديمة لإيواء هؤلاء الأطفال و لم يكن حين ذلك في جعبتها سوى 138 جنيها فلسطينيا. و من قولها المأثور :" آليت على نفسي أن أعيش بهم أو أموت معهم, إذ تصورت و كأن الشعب الفلسطيني سوف يمحى وينقرض لو مات أولئك وكيف يمحى شعبنا العظيم؟ لا و ألف لا..!.
و لما هدأت الأمور نسبيا إثر اتفاقية الهدنة الثانية نقلت الأطفال إلى منزلها في حي الشيخ جراح في القدس, و لما انتظمت الأمور بعض الشيء قامت بتوزيع الأطفال على مدارس القدس لتلقي العلم..و بمساعدة أقربائها والبعض من سيدات القدس, وجدت من الأنسب فتح صفوف لهم في حرم المنزل الذي يقيمون فيه, فاستعملت الكراج و مأوى الخيول و مبيت سكن ساسة الخيول كصفوف مؤقتة, ليكون هؤلاء الأطفال تحت إشرافها مباشرة.
لقد طرقت السيدة هند الحسيني أبواب العديد من الدول و المؤسسات العربية و الأجنبية لتجمع التبرعات و نذرت نفسها لخدمة مجتمعها..فهنيئا لك يا أم الأطفال اليتامى والمشردين..!. دير ياسين ستبقى جرحا من جراحنا المفتوحة وذاكرة حية في عقولنا وقلوبنا الى أبد الابدين..في ذكرى مجزرة دير ياسين نقول المجد والخلود لكل شهداء قضيتنا العادلة..الخزي والعار للعملاء والانتهازيين ومن سار في فلكهم..في هذه الذكرى نقول لن ننثني يا سنوات الجمر,واننا حتما لمنتصرون.