العملية السياسية في العراق بين الشلل والفشل
تواجه العملية السياسية في العراق وضعا حرجا بعد مرور ست سنوات على إنشائها على يد الحاكم الأميركي المدني السابق بول بريمر.
فهي تقف بين فكي رحى متضاربين: الشلل من ناحية، والفشلمن ناحية أخرى.
وبالرغم من ان انتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي بعد أربعة أشهر من المجادلات البيزنطية بين "المكونات" السياسية العراقية، يوحي بان "العملية السياسية" يمكن ان تعود الى الدوران، إلا ان دورانها حول المحور الطائفي نفسه، يجعلها محكومة بالنتائج نفسها التي ظلت تدور عليها منذ ستة أعوام، حيث تغلب النزاعات على الحصص، وحيث تهيمن التوترات الطائفية على العلاقات بين الأحزاب، وهي توترات ليس من المرجح لها أن تزول.
و"العملية السياسية" هي الإسم الحركي لقيام مجموعة من الاحزاب و"المكونات" السياسية، الموالية للاحتلال، بالانخراط في نظام يقوم مبدأ المحاصصة الطائفية.
ويقصد بهذه العملية أن توفر أرضية سياسية واجتماعية (طائفية) للتغيير الذي أحدثته الدبابات الأميركية في العراق. فقد تم إزالة نظام سياسي يتسم بطبيعة مركزية، لحساب نظام يتسم بـ"اللامركزية". ولكنها ليست لا مركزية على الغرار السويسري، وإنما لا مركزية تسمح لكل حزب أو مجموعة بالسيطرة على إقليم أو محافظة أو مدينة أو بلدة أو شارع. وحيث تسود عناصر القسمة بين المحافظات على أسس طائفية، فان القسمة داخل هذه المحافظات تقوم على أسس عشائرية أو عائلية.
وبالنظر الى أن هذه القسمة تشترط ولاء لمجموعات المصالح، فان الولاء للعراق ينحسر لحساب الولاء للطائفة والعشيرة والعائلة، بوصفها مصدر الحماية الرئيسي، وكذلك بوصفها الممر الذي يمر عبره التمويل القادم من نظام المحاصصة.
وتنسحب الانقسامات الى داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية أيضا. ففي حين تبدو وزارة الخارجية على سبيل المثال، وزارة كردية، فان وزارة الداخلية شيعية، وفي داخل كل منها دوائر تابعة لهذا الطرف أو ذاك.
كيف يتم التنسيق بين الوزارات والمؤسسات؟
عن طريق التفاهمات الارتجالية و… "الحوار" بين المجموعات المسلحة التي تستولي على الوزارة أو المؤسسة، وليس عن طريق التوجيهات او الأوامر الإدارية المألوفة.
وفي داخل البرلمان فان "العملية السياسية" هي عملية تعني الكثير من المساومات بين جميع ذوي المصالح الخاصة. وبما أن الأحزاب والمجموعات السياسية هي على وجه الإجمال صغير الحجم، فأنها تضطر الى تشكيل تحالفات. ولكنها هشة غالبا، ويمكن أن تنهار في أي لحظة عندما تتصادم مصالح أطرافها ببعضها البعض.
ويقول بعض المراقبين أن العملية السياسية في العراق غير مستقرة وذات تركيبة غير متوازنة تفتقر الى فلسفة سياسية منسجمة، حيث انها تركيبة متصارعة ذات مشاريع وتوجهات مختلفة وأطرافها مشغولون في عمليات استنزاف مستمرة، فضلا عن عدم وجود ثقة متبادلة بين أطراف هذه العملية، الأمر الذي زاد من تأرجحها بين المد والجزر وهو ما ينعكس بالسلب على الشارع العراقي.
فالسنة الذين قاطعوا العملية السياسية في البداية وعاد قسم كبير منهم اليها، لا يزالون يشعرون بأنهم مهمشون، ويحسبون على تركة النظام السابق لان الكثير من أبنائهم كانوا في مراكز قيادية في الجيش والأجهزة الأمنية. أما القسم الآخر فيرى أن اي عملية سياسية تقام في ظل الاحتلال تبقى عرجاء ولا تخدم في النهاية سوى المحتل.
وما تزال العديد من النقاط الخلافية قائمة بين أطراف العملية. فحكومة نوري المالكي لم تحل عددا من المشاكل مع الأكراد، وأهمها عقود النفط التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع شركات عالمية وألغتها حكومة المالكي، والمخصصات المالية لقوات (البيشمركة)، التي ترفض الحكومة المركزية دفع نفقات وتجهيزات ورواتب (البيشمركة) من الخزينة المركزية وهي بنفس الوقت لا سلطة لها عليها.
ويريد الزعماء الأكراد ان يأخذوا حصتهم من عائدات العراق النفطية "لتنمية إقليم كردستان"، ولكنهم يريدون من الحكومة المركزية أن تدفع رواتب مليشياتهم.
ووسط تناقضات مشهد العملية السياسية العراقية أصبح العراقيون على يقين أن الصراع بين الأحزاب والكتل هو صراع سياسي يهدف الى الحصول على المغانم والمكاسب والفوز بالمواقع القيادية، لكنهم مصرون على تغيير هذا الواقع نحو الأفضل من اجل رؤية النور في نهاية النفق… الذي ما يزال يبدو طويلا.
ويؤدي تعثر العملية السياسية الى تصاعد أعمال العنف بين أطرافها، وليس فقط بين هذه الأطراف والقوى الوطنية المناوئة للاحتلال.
فمع حلول الذكرى السادسة للغزو، ارتفعت وتيرة الهجمات التي تستهدف المدنيين في بغداد بصورة مفاجئة بين جماعات "الصحوة" وهي جزء من "العملية السياسية" والمليشيات الطائفية التابعة للحكومة.
ويقول محللون أن الهدف من وراء أعمال العنف سياسي بالدرجة الأولى لان من يقف وراءها يسعى لتحقيق مكاسب سياسية على حساب خصومهم السياسيين الذين تمكنوا من تحقيق نجاحات كبيرة في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة التي جرت نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، قد تؤهلهم إلى تحقيق نجاحات أكبر في الانتخابات البرلمانية التي ستجري نهاية العام الحالي.
ويؤكد مسؤولون أمنيون "أن أجهزتهم قادرة على فرض الأمن والاستقرار، محملين القوات الاميركية جزءا من مسؤولية ما يجري في البلاد من خلال قيامها باطلاق سراح العديد من المعتقلين لديها من المنتمين إلى الجماعات المسلحة، دون التشاور مع الجانب العراقي، الأمر الذي أدى إلى تجمع هؤلاء والاتصال بالخلايا النائمة والقيام ببعض الهجمات التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء".
والترجمة العملية لهذه التصريحات هي: القوات الاميركية اطلقت معتقلين سنة من دون التشاور مع الحكومة الشيعية. والمليشيات الشيعية تستطيع أن تكبح جماح المناوئين السنة.
وكان الجنرال اوديرنو قال عقب اندلاع سلسلة من التفجيرات بالسيارات المفخخة، "إن عدد الأميركيين في الموصل وبعقوبة الواقعتين شمال العراق يمكن أن يزداد بدل أن ينخفض خلال العام الحالي عند الضرورة، وسيتم اتخاذ قرار بهذا الشأن استنادا إلى التقييم المشترك للموقف الذي سنجريه مع السلطات العراقية خلال الأسابيع المقبلة".
وأضاف اوديرنو "سنجري تقييما ونقرر على ضوئه طبيعة التحرك في الوقت المناسب، لذلك فان الأشهر الـ 12 المقبلة لن تشهد تقليصا ضخما في عدد القوات في الموصل وبعقوبة ويمكن أن تشهد زيادة في عددها ان دعت الحاجة".
ومن المقرر أن تنسحب القوات القتالية الأميركية من جميع المدن العراقية اعتبارا من نهاية حزيران/يونيو المقبل في إطار إعلان الإدارة الأميركية الجديدة سحب كافة قواتها من العراق اعتبارا من آب/أغسطس 2010.
ويعرب طارق الهاشمي النائب السني للرئيس العراقي عن قناعته بان يظل الوضع الأمني في العراق سيظل هشا، ويضيف: "يؤسفني القول إن الأمن سيبقى معرضا في أي وقت للتدهور حتى يجري ترتيب أوضاعنا الداخلية بالتوافق الوطني".
المتفق عليه، والواضح على الأقل، هو أن العملية السياسية لا تعمل لانها تحمل في داخلها بذرة الفشل. فالطبيعة الطائفية لهذه العملية تجعل من المستحيل على أطرافها أن يتوصلوا الى صياغة استراتيجية وطنية مشتركة تنهض بالعراق ككل. فبما أن كل طرف يريد من العملية حصته، فان أحدا لا يهمه ماذا يحل بالآخرين.
وفي أجواء تتسم بالكثير من أعمال الفساد والنهب للمال العام، فان التوترات بين أطراف "العملية" لا تنتهي لأنها قائمة على اعتبارات تنافس تتعلق بالمصلحة الخاصة، لا بالمصالح العامة للبلد.