دمشق الثامنة عالمياً وأسعار العقارات بارتفاع رغم انخفاضها عالمياً
تتضارب الآراء حول سوق العقارات في سورية اذ يراها بعض الخبراء في حالة ترقب وركود لن تستمر طويلاً ويرى البعض أن هذه الأسعار لن تتأثر وستبقى على وضعها الراهن
في حين يتوقع البعض الآخر أن تنخفض أسعار العقارات بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة بفعل انخفاض أسعار مواد البناء وظهور مشاريع إسكانية جديدة فور صدور التعليمات التنفيذية للهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري وبدء الشركات الاستثمارية العقارية بالعمل في السوق السورية ناهيك عن التأثر بالأزمة المالية العالمية التي عصفت بأسواق العقارات في العالم قاطبة.
وإذا كان الخبراء أرجعوا في وقت سابق أسباب ارتفاع أسعار العقارات إلى ارتفاع أسعار مواد البناء وعودة جانب من الأموال السورية وتحويلات المغتربين التي لم تجد سوقاً للأوراق المالية ومجالات للاستثمار المناسبة لها فتوجهت بشكل رئيسي إلى شراء الأراضي والعقارات فإن هذه الأسباب زالت بعد إحداث سوق الأوراق المالية وهيئة الاستثمار والتطوير العقاري وانخفاض أسعار مواد البناء وبقيت الأسعار على حالها وبقي الجميع ينتظرون استعادة سوق العقارات لتوازنها الذي غاب منذ منتصف عام 2004 بعد أن وصلت أسعار العقارات إلى مستويات غير مسبوقة بلغت في بعض المناطق والمدن أكثر من 100 بالمئة.
بالمحصلة تمر سوق العقارات بحالة ركود واضح في ظل انخفاض العرض والطلب وحفاظ العقارات على أسعارها المرتفعة مثبتة بذلك حتى الآن عدم تأثرها بالأزمة المالية العالمية التي دفعت بكبرى المؤسسات المالية للانهيار بسبب نقص السيولة.
فعلى الرغم من الكساد المتأتي من الأزمة المالية العالمية وانخفاض سعر طن الحديد بنسبة تزيد على 50 بالمئة لا تزال أسعار العقارات السورية تحافظ على أسعارها المرتفعة التي تفوق قدرة ذوي الدخل المحدود عن امتلاك منزل وبحسب الخبراء فإن السبب في ذلك يعود إلى أن الملكية الفردية للعقارات وقلة تأثرهم بالأزمة المالية العالمية وانتظار العديد من مالكي العقارات صدور بعض القوانين والمراسيم الجديدة التي تنظم سوق العقارات السورية لافتين إلى أن محدودية المساحة المعدة للبناء والتقصير في التنظيم العمراني أدى إلى بقاء أسعار العقارات على حالها.
وقد كشف تقرير دولي صدر مؤخراً أن أسعار العقارات التجارية في دمشق احتلت المركز الثامن على المستوى العالمي إذ يبلغ سعر المتر المربع حوالي 65 ألف ليرة سورية وقد سبقت دمشق بهذا الترتيب مدينة سنغافورة التي جاءت في المركز التاسع ومدينة نيويورك الأمريكية التي حلت في المركز العاشر.
وفي المقابل يتوقع الخبراء أن تنخفض أسعار العقارات بشكل كبير خلال الفترة القادمة كأحد تأثيرات الأزمة المالية العالمية على سورية جراء لجوء العديد من المستثمرين العرب والسوريين المغتربين في العقارات إلى بيع عقاراتهم في سورية للاستفادة من ارتفاع أسعار السوق الحالي وذلك من أجل الحصول على سيولة لتوظيفها في اتجاهات أخرى وشراء أسهم في الشركات العالمية.
ومن المنتظر أن تسهم الهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري التي تم تأسيسها في آب الماضي في تخفيض أسعار العقارات وهذا ما أكده المهندس ياسر السباعي مدير الهيئة في لقاء مع محرر سانا الاقتصادي الذي أكد أن الهيئة ستسهم في تخفيض أسعار العقارات كونها ستسهم في خلق مجتمعات عمرانية جديدة خاصة بذوي الدخل المحدود وبأسعار محددة وبأراض مقدمة من قبل الهيئة للمطور العقاري موضحاً أن هذه النتائج لن تظهر خلال فترة بسيطة وإنما سيكون ذلك على المدى الطويل لأنه مثلما ارتفعت الأسعار خلال فترات متعاقبة سيكون انخفاضها على مراحل.
وأضاف ترتبط السرعة في انعكاس عمل الهيئة على أسعار العقارات بالمشاريع التي سيقدمها المطورون العقاريون.
ويشاطر معظم الخبراء السباعي رأيه في هذا المجال حيث يؤكدون أن انخفاض أسعار العقارات سيكون بشكل تدريجي خلال الأشهر المقبلة وأن هذا الانخفاض لن يكون بالسرعة التي يتوقعها الناس لأن الاقتصاد السوري اقتصاد حقيقي وليس اقتصاد مضاربات مشيرين إلى أن عدم هبوط أسعار العقارات يعود إلى أن مالكي العقارات ليسوا مضطرين للحصول على سيولة مالية، لأن القطاع العقاري ليس ممولاً بشكل كبير من المصارف ولهذا لا يوجد ضغط لخفض أسعار العقارات.
ويؤكد الخبراء أهمية القانون المرتقب صدوره حول شركات التمويل والرهن العقاري ودوره المتوقع في خفض أسعار العقارات نظراً لأهمية شركات التمويل والرهن العقاري في توفير الحوافز المطلوبة للاستثمار وتأمين المساكن لذوي الدخل المحدود.
وعن أسعار العقارات في المناطق الراقية بدمشق يؤكد الخبراء أن هذه الأسعار لا تخضع لأبسط قواعد علم الاقتصاد فالمعروف أن العملية الاقتصادية تخضع لعملية العرض والطلب وفي عملية العرض والطلب يجب أن يكون العرض متاحاً بمجمله ولكن ما يحدث في سوق العقارات السورية عموما وفي دمشق وريفها خصوصاً فالطلب متركز من قبل أصحاب الدخل المحدود الذين لا يتناسب دخلهم مع موجة الأسعار الخيالية التي تجتاح سوق العقارات في مناطق المخالفات كيف إذا كان الأمر متعلقاً بالمناطق مرتفعة الثمن.
ويؤكد أحد المتعهدين الذين التقيناهم أن الأسعار التي تطرح بها العقارات غير حقيقية وغير معقولة فالدراسات الهندسية تؤكد أن تكلفة المتر المربع الواحد من البناء لا تتجاوز في حدودها القصوى حاجز الـ6000 ليرة سورية وأن ما يشاع عن علاقة ارتفاع أسعار مواد البناء من إسمنت وحديد وغيرها بارتفاع أسعار العقارات ما هو إلا مبررات واهية تسقط أمام الحقائق التي تؤكد أنه في أواخر ثمانينيات القرن الماضي تجاوز سعر طن الحديد المخصص لمواد البناء الأسعارَ الحالية والحديث عن ارتفاع أسعار الإسمنت واليد العاملة لا يعطي النتائج الحالية فالمقدمات إذن لا تتطابق مع النتائج لا بل تتعارض معها تماماً فهل يعقل أن يتجاوز سعر المتر المربع الواحد من البناء في المالكي والمهاجرين وأبو رمانة حاجز المئة ألف ليرة سورية في كثير من الأحيان.
يحمل الاقتصاديون التجار مسؤولية هذا الارتفاع الخيالي في أسعار العقارات في بعض المناطق حيث يؤكدون أن السبب في ارتفاع أسعار العقارات يعود أولاً وأخيراً إلى جشع التجار والمضاربات التي يتبعونها في تسويق عقاراتهم في ظل غياب أي رقابة للحكومة على أسعار العقارات إضافة إلى وجود العديد من المساحات الخالية من أي بناء في دمشق مؤكدين أن العديد من الدراسات تؤكد أن معظم المساحات المهملة في دمشق هي من أفضل المناطق التي تصلح كأبنية سكنية كونها ستساعد على وقف التوسع العمراني نحو المناطق الزراعية وبالتالي التقليل من المنعكسات السلبية الخطيرة على الواقع البيئي والزراعي في دمشق وريفها.
ويرى الخبراء أن مساحة مدينة دمشق تلعب دوراً في ارتفاع أسعار العقارات وتلعب دوراً كبيراً أيضاً في القضاء على الغطاء النباتي المحيط بدمشق الأمر الذي يدفع بالمقابل الدولة على تخصيص مساحات كبيرة وذات أهمية حساسة ضمن المدينة لإقامة الحدائق بهدف التخفيف من التلوث البيئي فلو اعتمدت الدولة سياسة منع التوسع في المناطق الزراعية المحيطة بدمشق كان بإمكانها توفير مساحات معقولة ضمن دمشق لإقامة الأبراج السكنية بدلاً من تخصيصها لإقامة الحدائق وبالتالي وقف ارتفاع الأسعار وخاصة أن العديد من الناس يتوجهون إلى السكن في وسط المدينة ويرفضون السكن في الريف أو في الضواحي.
ورأى محمد مارديني صاحب أحد المكاتب العقارية في أبو رمانة أن الارتفاع الخيالي في العقارات لم يعد حكراً على منطقة محددة في دمشق أو غيرها من المحافظات بل امتد ليشمل معظم المناطق والمحافظات معتبراً أن هذا الارتفاع لا يعود إلى ارتفاع أسعار مواد البناء لأنه في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي كانت أسعار مواد البناء مرتفعة جداً وكانت تضاهي أو تزيد عن أسعار مواد البناء الحالية ورغم ذلك لم ترتفع أسعار العقارات بهذه الطريقة وقال.. لن يستطيع أحد أن يدعي أن التوجه إلى مناطق الأحياء الراقية بداعي الأمن الحراسة المشددة بسبب تواجد السفارات والمباني الحكومية الرئيسية في هذه المناطق لأنه من المعروف عن سورية أنها بلد الأمن والأمان وبالتالي هذه الحجة غير واردة.
والسؤال هنا لو نقلت المباني الحكومية إلى الدويلعة مثلاً هل سترتفع الأسعار بهذا الشكل الخيالي.. يرد على ذلك صاحب أحد الشقق السكنية المجاورة لإحدى السفارات في المالكي.. بالطبع سترتفع وسيكون الأمر خيالياً أيضاً معتبراً أن السكن في الكثير من مناطق دمشق أصبح نوعاً من البريستيج والموضة.
ويدلل على ذلك الفارق الكبير في سعر المتر بين منطقة وأخرى من مناطق دمشق وريفها.
عدنان أحمد