دمشق تحتوي صدمة خسارة المعارضة في لبنان
* لو خسرت قوى 14 آذار لرفض العالم الاعتراف بالنتائج * لا موقف من الحريري بانتظار برنامجه وصمت إزاء جنبلاط * هل كان بمقدور سوريا القيام بما يمكّن المعارضة من الفوز؟
ثلاثة استحقاقات داهمت سوريا دفعة واحدة. خسارة حلفائها الانتخابات النيابية في لبنان، وفوز حليفها الرئيس محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية في إيران، وخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي «يستدعي رداً عربياً من نوع مختلف»
كتب "إبراهيم الأمين " في جريدة الأخبار اللبنانية :
إحباط جمهور المعارضة في سوريا لا يقلّ قوة عن إحباط جمهور المعارضة في لبنان، جراء خسارة المعارضة الانتخابات النيابية في السابع من حزيران. لكن المراجعة التي بدأتها دمشق لما جرى في لبنان، لم تكتمل بعد. واجتماع اللجنة السياسية المعنية لم يضع خلاصات نهائية، في ظل انشغال سوري واضح بملفات لا تقل حرارة: الانتخابات الرئاسية في إيران وانعكاساتها على ملفات كثيرة تعيش سوريا في قلبها… المسار الذي سوف تسلكه الولايات المتحدة في ما خصّ ملف العراق من جهة، وملف السلام في الشرق الأوسط من جهة ثانية… وأخيراً، مستقبل العلاقات العربية ـــــ العربية في ضوء ما يحصل من تطورات في لبنان وفلسطين والعراق.
القادة في سوريا سارعوا إلى تقبل نتائج الانتخابات في لبنان. لكن بعضهم قال ، إن من يشاهد ردة فعل الغرب والإعلام التابع له باللغات كلها، بما فيها اللغة العربية، على نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، يأخذ فكرة عن الخطة التي كانت معدّة للبنان لو فازت المعارضة في الانتخابات. ويشير أصحاب هذا الرأي صراحة إلى عدة أمور تبدو كقراءة لنتائج الانتخابات:
أولاً: إن في سوريا ارتياحاً إلى ردود الفعل العربية والدولية، وحتى تلك الصادرة عن بعض فريق 14 آذار والتي تعطي سوريا علامة جيدة، باعتبار أنها لم تتدخل في الانتخابات. لكن الذي سُرّ بهذا الأمر يضحك متابعاً: لو فازت المعارضة لكان هؤلاء قالوا إن عناصر الاستخبارات السورية هم الذين اقترعوا في كسروان.
ثانياً: إن في سوريا من يعترف بأن هذه الانتخابات هي الاستحقاق اللبناني الأول الذي أدير بحسب أجندة فريق المعارضة في لبنان، وإنه يمكن أن يكون هناك الكثير من الأمور التي كانت سوريا قادرة على القيام بها ولم تفعل ذلك لاعتبارات كثيرة، بينها أن قوى بارزة في المعارضة اللبنانية كانت تتحدث باطمئنان إلى فوزها بما لا يقل عن 68 نائباً في الانتخابات الأخيرة.
ثالثاً: إن في سوريا من يعتقد بأن خسارة المعارضة ليست نهاية الدنيا، وإن من يدقق في كيفية حصول الانتخابات وفي التقارير المثبتة عن حجم الدعم الذي قُدِّم لفريق 14 آذار يمكنه النظر بعين المفاجأة إلى كيفية صمود قوى بارزة في المعارضة أمام الهجوم الذي شارك فيه كل العالم، مع إشارة واضحة هنا إلى موقع العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية.
رابعاً: تلقت سوريا تقارير عن انطباعات قوية موجودة في شارع المعارضة اللبنانية ولدى قوى سياسية بارزة فيها، عن «دور سوري سلبي». وينفي المسؤولون السوريون هذا الأمر، لكنهم يؤكدون أن قيادة المعارضة رفضت بعض المداخلات السورية أو تلك التي تعبّر عن وجهة نظر سوريا، وهو أمر كان له تأثيره على قوة حضور المعارضة في إدارة المعركة الانتخابية، من دون أن يعفي ذلك سوريا من مسؤولية ما. لكنّ المسؤولين السوريين يعتقدون أن نتائج الانتخابات لا تفرض تغييرات كبيرة على الأرض، وهي ربما تتيح تواصلاً من نوع مختلف بين جميع اللبنانيين، وأن سوريا لن تكون طرفاً عائقاً لتوجهات المعارضة، ولن تبادر إلى خطة عمل يشتمّ منها أنها تدير ظهرها لحلفائها في لبنان.
خامساً: في سوريا استعداد للتعامل مع النتائج بطريقة هادئة تتيح التوصل إلى مناخات أفضل في العلاقة بين البلدين. وقد أبلغت القيادة السورية الجانب السعودي، كما جهات بارزة في لبنان، أنها لا تملك موقفاً مسبقاً من تولّي سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية، وأن موقفها من العلاقة مع أي حكومة جديدة يرتبط بموقف هذه الحكومة من ملفات كثيرة، في مقدمها الموقف من موقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي الموقف من سلاح المقاومة، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين.
يرفض مسؤول سوري بارز القول إن سوريا «محبطة» من نتائج الانتخابات، لكنه يدعو إلى مراقبة الطرف الآخر. فهم يريدون إدارة البلد ويقولون إنه لو فازت المعارضة لحصل العزل، وإنه إذا ربحوا هم الانتخابات في لبنان، فسيصبح جنة. وهذا ما وعد به نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن اللبنانيين عندما جاء محذراً من فوز المعارضة وداعماً لفريق 14 آذار. وبالتالي ـــــ يضيف المسؤول السوري ـــــ فلننتظر ما سوف يحصل، وكيف سوف تدار البلاد. ودمشق قامت بالتزاماتها تجاه لبنان، وها هو العالم كله يقول إن دمشق لم تتدخل في الانتخابات، بل ساعدت في إنجازها بشكل طبيعي.
وحتى عندما تحركت جهات خارجية لتقول إن مناصرين لسوريا في شمال لبنان سوف يقومون بأعمال عنف لإطاحة الانتخابات، قالت سوريا إنها سوف تؤكد للعالم أن هذا الأمر لن يحصل ولم يحصل. وسوريا ثبتت العلاقات اللبنانية وأرسلت سفيراً إلى بيروت، واستقبلت سفيراً لبنانياً في دمشق. وبالتالي، فإن الكرة الآن في الملعب الآخر، رغم أن سوريا ـــــ يضيف المسؤول نفسه ـــــ تعرف بالضبط حجم ونوع التدخلات المباشرة التي قامت بها عواصم عربية وغربية في الانتخابات اللبنانية ولمصلحة فريق 14 آذار بخلاف كل التعهدات والبيانات السابقة.
وإذا كانت القيادات السورية ترفض التعليق على سلوك المعارضة السياسي أو الانتخابي، فإنه في المستويات الأقلّ شأناً من ينقل الخبر اليقين، إذ يشير هؤلاء إلى ضرورة التدقيق في ما إذا كانت جهات في سوريا قد تعاملت مع الملف على الطريقة السابقة، حيث كان الاعتقاد بأن النفوذ مطلق.
ويقرّ هؤلاء بأنه لم يمارَس ضغط على الناخبين الذين انتقلوا من سوريا إلى لبنان، وأن التدقيق في نتائج أقلام الاقتراع يمكن أن يدل على ذلك. لكن هؤلاء أنفسهم يشيرون إلى أن مصدر التقديرات السورية حول نتائج الانتخابات جاء أساساً من جانب الجهات اللبنانية، وأن أي مسؤول في سوريا لم يقدّم تصوراً مستنداً إلى مصادر غير المعارضة اللبنانية، وبالتالي فإن أحد مصادر الإحباط هو أن في سوريا من وعد نفسه بنتائج مختلفة عن تلك التي خرجت بها الانتخابات. وهذا من مسؤولية المعارضة اللبنانية أولاً وأخيراً.
للمرة الأولى منذ زمن طويل، تسمع في سوريا همساً عن أشياء «كان يمكن قائد المقاومة السيد حسن نصر الله تجنّبها، مثل الظهور المتكرر في الآونة الأخيرة، أو الإشارة إلى أحداث 7 أيار على أنها يوم مجيد، أو حتى إعطاء انطباع بأن المعارضة فائزة حتماً»… ويعتقد هؤلاء أن «في سوريا كما في لبنان من لا يقبل للسيد حسن أن يكون في هذا الموقع، وأن على المحيطين به إدراك هذه الحقيقة، وإبعاده عن أدوار لا تتناسب مع موقعه الذي يتجاوز في تأثيره حدود لبنان إلى دول المنطقة».
وفي سوريا كلام «عن ضعضعة برزت في الأيام الأخيرة في طريقة تأليف بعض اللوائح، وخلافات قامت بين قوى المعارضة مقابل توحّد أكبر لدى الفريق الآخر، وعن استرخاء ينمّ عن نقص في تقدير قوة الخصم أو جهل في ما ينوي القيام به».
لكن في سوريا أيضاً «إعجاباً بنجاح العماد عون والنائب فرنجية في التصدي لأكبر شبكة من الحلفاء التي ضمت قوى سياسية ومؤسسات، بعضها رسمي وبعضها ديني، ومراجع عربية وعواصم عربية ودولية وأجهزة أمنية وإعلامية ضخمة لم تتمكن من إسقاطه، وخصوصاً أنه تبيّن بعد انتهاء الانتخابات أن الهدف الأكبر كان إسقاطه في جبل لبنان على وجه الخصوص».
■ ماذا عن الغد؟
من حيث المبدأ، فإن الموقف الترحيبي الذي صدر على لسان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان، يمثل الخط العام للسياسة السورية. لكن النقاش في التفاصيل، يظل رهن المرحلة المقبلة، ولا سيما أن دمشق لا ترى أنها مضطرة لأن تحرك ساكناً قبل اكتمال صورة المبادرة من جانب الفريق الفائز في الانتخابات.
وثمّة تقديرات بأنّه لن تكون هناك مفاجآت في انتخابات رئاسة المجلس، لكن النقاش سينطلق حول طريقة تأليف الحكومة المقبلة. وفي هذا المجال، تشير دمشق إلى أنها لن تكون قادرة على ممارسة أي تأثير على أي فريق في لبنان، في ما يبدو موقفاً استباقياً حتى لا يأتي أحد من قريب أو بعيد يطلب من سوريا الضغط لحثّ المعارضة على القبول بصيغ قد لا تناسبها. وثمة وضوح من جانب القيادة السورية بأن الأمر رهن ما تقرّره المعارضة وقيادتها في لبنان، وثمة شعور قوي بأن هناك إشارات إلى «وجود مصلحة للنائب سعد الحريري على الأقل بكسب ود وموافقة المعارضة على حكومة برئاسته، ولهذا ثمنه في أي حال، ويبدو أن المعارضة لا تقبل بأقل من الثلث الضامن».
أما على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، فلا يبدو أن هناك برنامج عمل خاصاً، لأن الخطوة المتصلة بتوثيق العلاقات الدبلوماسية حصلت، وليس منتظراً أن يكون لدى السفير السوري الجديد أي برنامج عمل خاص قبل تأليف الحكومة المقبلة، وأن ملفات التعاون مفتوحة، وستكون دمشق بانتظار موقف لبنان من مراجعة الاتفاقات القائمة، وخصوصاً أن قوى في 14 آذار سبق أن طالبت بإلغاء المعاهدة أو الاتفاقات، وفي سوريا من هو مستعدّ لإلغاء كل هذه الاتفاقات شرط أن يطلب لبنان ذلك. أما في ما خص التعاون الأمني والعسكري والسياسي، فهو قائم ضمن الحدود المعروفة، وثمة تواصل على مستويات رفيعة جداً بين القيادات العسكرية والأمنية.
الإحباط السوري من خسارة حلفاء دمشق الانتخابات اللبنانية، كسر من حدته شعور بأن الاحتقان السياسي في لبنان ـــــ داخلياً أو ضد سوريا ـــــ تعرّض لعملية تنفيس كبرى، وأن في ذلك ما يتيح تراجع حدة التشنج. وفي دمشق قرار باستقبال سعد الحريري متى أراد، سواء كان رئيساً للحكومة أو لا. أمّا بالنسبة إلى الآخرين من قيادات فريق 14 آذار، فإنّ الأمر رهن أشياء كثيرة، أو هذا على الأقل الجواب عندما يطرح سؤال عن وليد جنبلاط.