فضيحة الفساد الأمريكية: هل هناك مافيا يهودية؟
شكلت حملة الاعتقالات الجماعية والكبيرة التي كشف عنها في نيوجيرسي الأسبوع الماضي حدثاً كبيراً بكل المقاييس، ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وإنما في إسرائيل.
فصور الحاخامات البارزين ورجال الأعمال اليهود وهم يكبلون بالأصفاد إثر اعتقالهم بعد صلوات الصبح استحوذت على الصفحات الأولى في الصحف الإسرائيلية، وكذا العناوين التي كان لها وقع الدوي في الحديث عن اكتشاف "مصبغة يهودية" (لغسيل الأموال) تستخدم لرشوة كبار المسؤولين في نيوجيرسي بزعم استغلال جمعيات خيرية إسرائيلية.
وجاءت التصريحات الإسرائيلية لتربط بين العديد من المعتقلين والرموز الكبيرة في أحزاب "شاس" و"حراس التوارة" المتشددين من اليهود الشرقيين، والزعيم الروحي، الحاخام عوفايديا يوسف.
فمن بين المعتقلين في الحملة التي تمت في الثالث والعشرين من يوليو/تموز الحالي، الحاخام إلياهو بن حاييم والحاخام إدموند ناحوم، اللذان تربطهما علاقات وثيقة مع الحاخام عوفايديا يوسف، وابنه الحاخام ديفيد يوسف.
ويزعم أن بن حاييم وناحوم من كبار جامعي التبرعات لحزب شاس وشبكة أسرة الحاخام يوسف من المؤسسات التعليمية.
ووفقاً لتقرير بثه التلفزيون الإسرائيلي، فإن الحاخام ديفيد يوسف كان هدفاً لسليمان دويك، مخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI، الذي طلب من الحاخام مساعدته في تبييض شيك بقيمة 25 ألف دولار، غير أنه يقال إن الحاخام رفض هذا الطلب.
وقال زعماء حزب شاس، الذي يحتل 11 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي ويعد رابع أكبر حزب في الائتلاف الحكومي الحالي بزعامة بنيامين نتنياهو، لمجلة "التايم" الأمريكية إن الحزب ليست له أي علاقة بالفضيحة.
وقال روي لاخمانوفيتش، المتحدث باسم زعيم الحزب إيلي يشاي، للمجلة إن جامعي التبرعات من الحاخامات في الولايات المتحدة لمؤسسات اليهود الشرقيين "السفارديم" في إسرائيل لا يعني أن لهم صلة بحزب شاس.
وقال إن مؤسسات الحزب، بما فيها المدارس الحاخامية، تتلقى ميزانيتها من الحكومة الإسرائيلية مباشرة، نافياً تورط حزب شاس بأي عملية غسيل أموال أو أي نشاط غير مشروع.
علاوة على ذلك، فقد قال إن الحاخام عوفايديا يوسف لم يكن عضواً في حزب شاس ولا يمثل الحزب، "إضافة إلى حقيقة أنه ابن الحاخام عوفاديا يوسف، فإن الحاخام ديفيد ليس له صلاة رسمية بمؤسسة شاس."
وتضيف المجلة بأن أحد المعتقلين في حملة الدهم ليفي إسحاق روزنباوم، وهو من سكان بروكلين، الذي وجهت إليه تهمة الاتجار في الأعضاء البشرية.
ويوصف روزنباوم، بين أعضاء الجالية المتشددة من اليهود في القدس، الذي زعم أنه سمسار عقارات، بأنه "الوسيط" الذي يتدخل لمساعدة مرضى الكلى في العثور على العلاج الطبي المناسب في الولايات المتحدة.
ووفقا لشكوى رسمية فقد خطط روزنباوم لمنح مواطن إسرائيلي 10 آلاف دولار، فيما طلب من العميل الذي يحتاج إلى الكلية 160 ألف دولار.
وسيتم تبييض المبلغ من خلال ما وصفه روزنباوم في المرة الأولى بـ"الجماعة"، ثم عاد ليصفها بأنها "منظمة خيرية."
ووفقا لتقارير منشورة، يدير روزنباوم فرعاً لمؤسسة تدعى "كاف لاخاييم"، وهي جمعية خيرية للأطفال المرضى كان يديرها سابقاً رجل الأعمال المتهم في الوول ستريت بيرني مادوف.
وجاء رد فعل المؤسسة الإعلامية لحزب شاس على الفضيحة برمتها باتهامات مضادة تحت ذريعة "معاداة السامية."
فقد صرح اسحق كاكون، رئيس تحرير صحيفة شاس"يوم ليوم" لصحيفة "جيروزالم بوست" قائلاً: "لقد تعمد مكتب التحقيقات الفدرالي FBI محاولة القبض على أكبر عدد ممكن من الحاخامات في آن واحد، في محاولة لإذلالهم."
من ناحية أخرى، قال نسيم زئيف، عضو الكنيست عن حزب شاس، إن "الشرطة الأمريكية تحاول إظهار الأمر كما لو كان هناك شكل من أشكال المافيا اليهودية."
على أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يدخل فيها حزب شاس كطرف في جدل متعلق بالفساد، فقد أدين اثنان من وزراء شاس بتهم تتعلق بالفساد في السنوات الأخيرة.
ويوضح يوسي كلاين هليفي، الزميل في معهد أدلسون للدراسات الاستراتيجية في القدس، بأن بعض شرائح المتدينين المتشددين تميل إلى تجاهل القانون العلماني رغم تمسكها القوي بأدق التفاصيل من الطقوس الدينية اليهودية.
ويقول هليفي: "هناك شكل من مجتمع غير محدود يحاول أن يحتفظ، في أفضل عباراته، بجهوده الخيرية الدولية التي لا مثيل لها، غير أن الجانب المظلم من هذا الأمر هو العقلية التي غالباً ما تنجرّ بسهولة في تسويغ الأفعال التي لا يمكن تبريرها، وبالتالي اللجوء إلى الفكرة القائلة ‘إن الغاية تبرر الوسيلة.’"
وأضاف: "ونحن هنا نجمع الأموال للمؤسسات الخيرية، ونسمح بالتالي باتباع أساليب ملتوية.. لقد كانت هناك أمثلة أخرى في الماضي حول ترويج المخدرات بغطاء من بعض المؤسسات الدينية. وكانت هناك أمثلة كثيرة من الانتهاكات في الماضي."