طلبات لاستنساخ….بقلم : نزار صباغ
تشرين شهر الخير والأمطار والنسمات الخريفية المنعشة، والهدوء والصفاء الروحي وانزعاج بسيط فقط لانقطاع الكهرباء. وهو أيضاً اسم الصحيفة المركزية الحكومية الرسمية واسعة الانتشار التي تتحفنا بانجازات حكومتنا على جميع الصعد.
وتشرين الصحيفة أبلغتنا نقلاً عن "مصادر مطلعة" بأن حكومتنا الموقرة ستقدم بدلاً نقدياً، ليس دفعة واحدة بل على دفعات، مقداره الكامل عشرة آلاف ليرة سورية لا غير، ليرة تنطح ليرة.. كمكرمة ودعم منها للمواطنين المستحقين لشراء مادة المازوت خلال فصل الشتاء، إنما لمن يستحق هذا الدعم فقط.
تشرين أبلغتنا كذلك أن هناك شروطاً يتوجب توافرها لدى الأسر السورية طالبة الحصول على "الدعم" النقدي، وبالتأكيد إن تلك الشروط تم تحديدها من قبل حكومتنا الموقرة بعد دراسة عميقة ومستفيضة للواقع الحياتي في مختلف المناطق في سوريا إضافة إلى إحصائيات حقيقية لا وهمية عن متطلبات وحاجات الأسر السورية، هذا لأن حكومتنا تعلم أن الدراسات والتقارير غير الحكومية الرسمية والصادرة عن جهات خارجية لم تطلب حكومتنا القيام بها ولم تدفع أجور الدراسين لها، تلك التقارير التي تبيّن وتظهر نسب الفقر والبطالة وحالات التراجع الاقتصادي ونسب التضخم وغيرها، ما هي إلا عبارة عن تقارير كاذبة ونتائج ملفقة تلفيقاً ومصنّعة تصنيعاّ بطريقة كيدية هدفها النيل من هيبة حكومتنا الموقرة.
تشرين أعلمتنا من مصادرها المطلعة أن من لدية ترخيصاً (أي بمعنى سجلاً) تجارياً أو صناعياً أو زراعياً أو سياحياً لن يستفيد من الدعم، وهذا يؤكد حقيقة التوجه الاشتراكي الحقيقي لحكومتنا الموقرة في قراراتها التي تمس بعموم المواطنين وتطبيقها الحقيقي لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي في قراراتها الاقتصادية، لأن أولئك المذكورين ما هم إلا من طبقة البورجوازية الطفيلية التي تمتص جهد وتعب العمال والكادحين والمثقفين الثوريين – دون التطرق إلى الأخوة الفلاحين لأن من لديه ترخيصاً زراعياً هو من الفئة الطفيلية المذكورة برأي حكومتنا الموقرة – … وهذا أيضاً يؤكد أن حكومتنا الموقرة كانت تتعرض لانتقادات في غير محلها بأنها تقوم بتدمير القطاع العام وتحاول التخفيض في المعاشات التقاعدية وتتمهل في تقديم مسلتزمات الصحة المجانية للمواطنين عامة وبخاصة للعمال والكادحين والمثقفين الثوريين وذوي الدخل المحدود … إلى ما هنالك من انتقادات غير صحيحة ومغرضة وبل كيدية أيضاً.
تشرين ذكرت من ضمن الشروط أن الأسرة التي تسدد مبلغ يتجاوز /3500/ ل.س. ثلاثة آلاف وخمسمائة ليرة سورية شهريا كنفقات – قد تكون حكومتنا تعتبرها ترفيهية – من كهرباء ومياه وهاتف لا يستحق الدعم، وهذا طبعاً يتضمن الاشتراك في خدمة الانترنت بسرعاته المختلفة لأنه لا يعمل إلا بواسطة الهاتف، وبذلك تضمن حكومتنا التزام المواطنين بتوجيهاتها حول ترشيد الاستهلاك الترفيهي للكهرباء والمياه، ومنه بالضرورة الحد من استخدام الهاتف النقال والاعتماد على الوسيلة الأرخص أي الهاتف الثابت، وبذلك فإن حكومتنا قد اصطادت عصافير متعددة بحجر واحد : الترشيد في استهلاك الطاقة – زيادة الأرباح نتيجة تزايد الطلب على الهاتف الثابت – الحد من نفقات مستلزمات محطات معالجة الصرف الصحي – الحفاظ على صحة المواطنين بزيادة اعتمادهم على الجو الطبيعي النقي – الحد من تلوث البيئة – زيادة العلاقات الحميمية والمحبة والمودة بين أفراد الأسرة وتزايد حالات العناق بين الأزواج دون اعتبارها تقليداً مرفوضاً من الغرب الكافر .. إلى ما هناك من أمور تعرفها حكومتنا الموقرة دوناً عنّـا… لكن ما الحل في احتمال تزايد نسب التزايد السكاني نتيجة طلب الدفء ..؟
وتشرين أيضاً أعلمتنا أن حكومتنا الموقرة قررت أن من يزيد دخله عن مبلغ /25000/ ل.س. شهرياً لا يستحق الدعم، وهي بذلك تؤكد على صحة وصدق دراساتها حول نسب التضخم البسيطة ونسب النمو العالية ونسب الفقر المتدنية ونسب البطالة البسيطة ونسبة السياح المتزايدة وكميات الاستثمارات الخارجية الواردة إلينا، وإلى ما شاء الله من نسب حكومية تثبت إنجازاتها… وهي بذلك تؤكد أن المواطن السوري مرتاح وسعيد في حياته استناداً إلى التقرير البريطاني بأن الشعب السوري ثالث أسعد شعب في العالم العربي وهو بسعادته يأتي في مراتب متقدمة على هولندا وبريطانيا وفرنسا واليابان ودولة الامبريالية العالمية.
وتشرين أعلمتنا كذلك أن من يملك سيارة يزيد سعة محركها عن 1600 C.C. لا يستحق الدعم، ذلك يؤكد رغبة حكومتنا الموقرة في حماية أرواح المواطنين والحد من استنزاف نقودهم والحد من توقفهم عن العمل والانتاج إضافة إلى ترشيد استهلاك البنزين والحد من نفقات صيانة الطرق الدولية والعادية في بلادنا، لأن حكومتنا ترى أن السيارات كبيرة سعة المحرك تستهلك كميات وقود أكثر من الصغيرة، وترى أنها تسرع في الطرقات أكثر من الصغيرة أيضاً وتتسبب بالحوادث الخطرة والمميتة إضافة إلى أنها تستهلك الكثير من الإطارات والقطع التبديلية وتؤدي نتيجة لوزنها وسرعتها إلى الازدياد في تآكل الطبقات الاسفلتية .. ثم ما العيب في اقتناء سيارات محلية الصنع، ألا يعد ذلك تشجيعاً ودعماً لاقتصادنا الوطني ..؟ أليست صناعتنا المحلية من السيارات تضاهي السيارات المستوردة التي تفرض حكومتنا عليها رسوماً جمركية ومختلفة تصل إلى القيمة الأساسية للسيارة..؟ ألا تستخدم حكومتنا سيارات من صناعتنا الوطنية من السيد رئيس الوزراء إلى مدراء المديريات في المحافظات …؟
تشرين سببت لنا بعض الحيرة، بعد ملاحظتنا عدم ورود أياً مما له علاقة بالقطاع الهندسي، ومما يتعلق بالمقاولين، واستثنت "الحرفيين" من الشرط أيضاً … وقد ظننا نتيجة لتلك الحيرة أن كل من لديه ترخيصاً هندسياً ما هو إلا مواطن فقير مسحوق مالياً وأنه من ضمن نسبة (30%) من الشعب السوري الذي وصل إلى حافة الفقر الأدنى، إنما تذكرنا أن التقرير الذي ذكر هذه المعلومة صدر عن جهات خارجية لم تكلفها حكومتنا بالدراسة التي وصلت إليها النتيجة المذكورة وهو بذلك تقرير كيدي وغير صحيح، ثم ظننا أنه مدعوم من قبل السيد رئيس الوزراء باعتباره زميلاً في المهنة لكننا تراجعنا عند تذكرنا أن السيد عطري بدأ حياته العملية في السلك الوظيفي لدى الحكومة، وأخيراً جمعنا ما بين الهندسة والمقاولات والشروط المتبقية فأدركنا حينها أنه قد لن يحصل على الدعم لأن المهندس مثلنا نحن التجار والصناعيين والسياحيين والمزارعين لا نحتاج إلى الدعم باعتبارنا من أولئك البورجوازيين الطفيليين الذين يمتصون خيرات البلاد والعباد…. وبذلك تكون حكومتنا الموقرة قد حافظت على "شعرة معاوية" مع المهندسين … هذا مع ملاحظة عدم التطرق نهائيا إلى السادة المحامين.
في الواقع، تحتاج حكومتنا إلى إيرادات مالية وتبحث عنها في شتى الاتجاهات التي تحفظ حقوقنا كمواطنين حتى تستطيع أن تقوم بمهامها في تأمين الطاقة الكهربائية اللازمة للمستقبل، ومصادر جديدة للمياه، ورواتب المتقاعدين، ومشروعات خدمية متنوعة على صعيد الوطن كالطرق والجسور والأنفاق والسكك الحديدية وإلى ما هناك من اهتمامات حكومية بمستقبل الوطن والمواطنين… ولأجل ذلك فإنها تبحث أيضاً عن سبل ترشيد نفقاتها من سيارات وكادر وظيفي وطرق وجسور وأنفاق غير ضرورية حالياً ، كما تبحث عن وسائل تخفيض المواطنين لنفقاتهم بشكل عام، وما قرارها المتسرب إلينا نقلاً عن "مصادر مطلعة" إلا تطبيقاً لذاك المنهج والمبدأ.
ثم إن حكومتنا الموقرة تحاول وبطريقة غير مباشرة خلق فرص عمل جديدة وإنعاش قطاعات اقتصادية، لأن المازوت أصبح يعد كالثروة الصغيرة أمام البعض الكثير، وسيحاول الحصول عليه بطرق متعددة، وبذلك قد تتزايد احتمالات حوادث السرقة، ومن هنا سيزداد الإقبال على شراء وتركيب أجهزة التنبيه والحماية والمراقبة وأقفال الأبواب إلى ما هنالك من مستلزمات، وهو ما يمثل نجاحاً حكومياً في الحد من البطالة وخلق فرص استثمارية جديدة.
إنما .. لنتوقف قليلاً عند نقطتين ملغومتين وخطيرتين : لماذا التسريب نقلاً عن "مصادر مطلعة"، ومن هو المستفيد الحقيقي من مثل هكذا قرار..؟
هل أن حكومتنا الموقرة تحاول الحصول على آراء المواطنين قبل صدور قرارها غير المعروف حتى الآن، أم أنها عاجزة عن استنباط الحل وتحاول إشراك المهتمين بطريقة غير مباشرة بسبب كم الانتقادات الموجه إليها..؟ ومن سيكون المستفيد الفعلي من قرار توزيع الدعم "على مستحقيه"…؟ حاولوا التفكير قليلاً وستجدون الجواب.
إنما كيف سيتم تطبيق الشروط المذكورة..؟ هل سيتقدم "رب الأسرة" أو "ربة الأسرة" أو "المطلقة" أو "الأرملة" إلى مراكز محددة بذاتها، هل سيكون عليهم تسجيل بيانات في استمارات خاصة تتضمن رقم اشتراك "خدمة" توصيل الكهرباء والمياه واشتراكات الهاتف الثابت والخليوي، هل عليهم الحصول على بيان من "المختار" بالدخل الشهري أم أن مجرد كتابتهم إياه في الاستمارة يكفي…. لكن الأهم هي الطريقة المذلـّة التي سيجد الكثيرون أنفسهم في مواجهتها، مذلـّة في تقديم البيانات، ومذلـّة في كيفية استلام "الدعم" في كل دفعة…. والسؤال أيضاً : هل يكفي مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية قيمة مادة مازوت لفصل الشتاء لمن يستحق هذا الدعم …؟
تشرين لم تفاجئنا، فانجازات حكومتنا مميزة ليس لدينا فقط بل على مستوى العالم والشركات متعددة الجنسية والشركات القابضة والضامنة والمشاركة للقطاع العام . بل وتواردت أخبار أن هناك من بعض دول العالم من يطلب استنساخ أعضاء مميزين من حكومتنا العتيدة ومن العديد من المسؤولين في بلادنا، لتنصيبهم وزراء حكوميين ومسؤولين لديهم، بغاية إعادة هيكلية الاقتصاد والإدارة في بلادهم والقضاء على الفساد المستشري لديهم… ذلك من واقع غيرتهم منا، نحن الشعب السعيد، ليقينهم أن الشعب السعيد لا يمكن له أن يكون إلا نتيجة لحكومة تعمل جاهدة ليل نهار لمصلحته ولإيصال كل دعم إلى مستحقيه.
إنما… نظراً لأن المصالح مشتركة بيننا نحن المواطنين وبين مواطني تلك الدول، نقترح إعارتهم الجهابذة في حكومتنا لمدد زمنية محددة ومدفوعة القيمة، بذلك يمكن الحصول على إيرادات استثمارية مقبولة تدعم خطط حكومتنا الموقرة في الحصول على الإيرادات اللازمة…
أو لتذهب حكومتنا إلى المكان الذي يحلو لها ولتستلم حكومة جديدة عساها تجد الحلول اللازمة للمشاكل التي أوقعتنا وأوقعت نفسها بها .. حكومتنا الحالية الموقرة.
فحكومة عجزت حتى الآن في تطوير كيفية إنتاج والحصول على الرغيف العادي للمواطنين لا يمكن إلا أن تكون هرمة وتعبة، وتتعبنا معها.
وتصبحون على وطن