ملاحظات على مقدمة وتمهيد \ البراق عبد الهادي رضا \ بقلم حسن عثمان
لا ننكر أهمية الكتاب ولا نستهين بالترجمة وما بُذل من تعب لأجل ذلك، ولكن نتوقف ونختلف مع المترجم في مكمن أهمية الكتاب، وكيف يمكننا أن نستفيد من كتابات هؤلاء الكتّاب. نتوقف عند ما تمّ ذكره ومحاولة إثباته وإقناع القارئ به والذي يعتبر غير دقيق البتة،
حيث جاءت المقدمة والتمهيد مخالفة لمحتوى الكتاب، وهذا يؤثر بشكل كبير على ذهنية القارئ ، إذ تعتبر المقدمة خلاصة ضرورية لمحتوى الكتاب. فالمقدمة والتمهيد مفتاح جميع الكتب، حيث يشد القارئ انتباهه وتركيزه عليهما، فتلعبان دورا مهما في تشجيع القارئ إما على متابعة القراءة أو رمي الكتاب جانباً، والغريب أنه هنا جاءت المقدمة والتمهيد بصورة مغايرة لمحتوى الكتاب.
المقدمة والتمهيد للمترجم صراحة عبّرا عن غير مضمون الكتاب، وكما نرى ذلك نحن طبعاً، ولكن بإثباتات وأدلة من الكتاب نفسه، حيث غابت عن مقدمة وتمهيد المترجم الأدلة والإثباتات، وتحدث بما لا يتناسب مع حقيقة اليهود وحقيقة ما أدلى به الكتاّب الذين قدم لهم المترجم.فنظراً لأهمية هذا الموضوع وخطورته البالغة (اليهود طبعاً) رأينا أن نقدم وجهة نظرنا ولو جاءت متأخرة ( فالكتاب يعود تاريخه لبداية القرن الواحد والعشرين، 2003 ). وبرأيي، الواقع الذي نعيشه والسنين التي مرت على هذا الكتاب و المتابعة لما جرى خلالها ستساعدنا في إثبات صحة وجهة نظرنا والتي هي بالواقع حقيقة محرّمة كما أشرنا إلى ذلك في كتابات سابقة.
1- ذهب المترجم في مقدمته للكتاب ساعياً لإقناع القارئ باختلاف واستقلال الصهيونية عن اليهودية، بالرغم من عدم إثبات ذلك داخل الكتاب من قبل الكتّاب وبل على العكس جاءت آراءهم لتؤكد امتزاج كلاً منهما وعدم استقلال الواحدة عن الأخرى. فاليهودية متمثلة بالتوراة والتلمود تتساوى مع الصهيونية في هدفها الرئيسي، وهو الوطن القومي لليهود في فلسطين. حيث في الحقيقة تستمد الصهيونية هذه الفكرة من الثقافة اليهودية. وكذلك الحال من حيث العنصرية والهمجية والدموية، حيث تتفق الصهيونية مع الثقافة اليهودية وتستلهم أفكارها وأسلوب تطبيق هذه الأفكار من التوراة والتلمود دون أدنى شك مما يدل على عدم استقلالهما كثقافتين مستقلتين. وهذا ما توصل إليه الكاتب اليهودي شاحاك بقوله كما هو وارد في الكتاب " إنّ الاطلاع على سياسات إسرائيل الخارجية، خصوصاً النصوص العبرية، يوضح أن العقيدة اليهودية ، أكثر من أي عامل آخر، هي التي تحدد السياسات الإسرائيلية. ومن لا يفهم الديانة اليهودية لا يدرك أسباب هذه السياسات.". في مكان آخر أيضاً يؤكد الكاتب على تلازم مساري اليهودية والصهيونية عندما قال : " االيهودية القديمة، وحفيداها، المؤمنون بالديانة اليهودية، والصهاينة، كلاهما يرفضان فكرة إسرائيل المفتوحة الأبواب."( ص 31 ). صراحة هذا ما توصل إليه الكاتب وهذا صراحة ما لم يُشير إليه المترجم في تقديمه للكتاب وأشار على عكس ذلك. لماذا ؟؟.ولقد أكدّ الكاتب إسرائيل شاحاك على كلامه داخل الكتاب من خلال ما ذكره مما صدر عن كل بن غوريون ( ص 26 – سياسة التوسع ) وارييل شارون ( ص 29 – سياسة التوسع ) وغير ذلك ….
2 – ذهب المترجم إلى أخطر من ذلك من خلال ما كتبه وهو التالي " المفكرون الذين نترجم أعمالهم معنيون بتوضيح الفوارق بين عنصرية السياسات الصهيونية والقيم الروحية الموجودة في الديانة اليهودية.". يعني إن كان المترجم قد وجد صعوبة في كشف ارتباط اليهودية والصهيونية والذي ليس ارتباطاً عادياً، نجد أنّ هناك محاولة استخفاف بعقل وفكر القارئ عندما يحاول المترجم أن يصور للقارئ وجود قيم روحية في العقيدة اليهودية. لقد أخطا المترجم في هذا التقديم وهذه الصياغة وأخطأ في فهم فكرة الكتّاب التي أرادوا أن يوصلوها بغير ما قدمه المترجم. هل حقاً هناك قيم روحية يتحلى بها اليهود وعقيدتهم ؟. أتعجّب لهذا الوصف !!. أتعجّب لما ذكره المترجم والذي يُخالف لما ترجمه حتى. فإسرائيل شاحاك الكاتب اليهودي ذكر بما لا يدعي للشك انتفاء القيم الروحية للعقيدة اليهودية واستشهد على ذلك من التوراة والتلمود المرجعين الأساسيين للعقيدة والثقافة اليهودية . لكن المترجم أبى أن ينقل هذه الصورة التي نفسه قام بترجمتها. فمثلاً يقول شاحاك " كان هناك نقطة واحدة لا بد لليهودي من معرفتها. وهي مقاطع وأجزاء التلمود التي عارضت المسيحية وكرهت الغرباء………. وقبل ذلك الوقت هاجمت الكنيسة المسيحية الديانة اليهودية معتمدة على نصوص التوراة …….. التلمود يحوي لغة قاسية تهاجم المسيحية…. التهجم على السيدة مريم ( البتول ) …". وغير ذلك من(القيم الروحية اليهودية النبيلة ؟!) تجدونها ( ص37، 38، 39، 40، 41،42 ). أعتقد أنّ كتابة المترجم لهذين السطرين التالي " المفكرون الذين نترجم أعمالهم معنيون بتوضيح الفوارق بين عنصرية السياسات الصهيونية والقيم الروحية الموجودة في الديانة اليهودية." فيه تزوير كبير للحقائق والتاريخ وللواقع وقراءة مخالفة لما كتبه الكتّاب الذين قدم لهم المترجم. إنّ كل باحث في الشأن اليهودي الصهيوني يمكنه وبكل سهولة أن يُثبت ابتعاد الثقافة اليهودية عن الأخلاق الإنسانية واتسامها بالفوقية والعنصرية وأن يدعم إثباته من كتاب التوراة ( أحد أهم الكتب المتداولة بين أيدي اليهود ) وكان على الكاتب لأجل الحقيقة التاريخية وأمانة الكتابة، أن يُبرهن ما قاله وما استنتجه بشواهد وأدلة على ذلك. ونحن فيما نعارض ولا نتفق مع ما ذكره المترجم في مقدمته ندعوكم للاطلاع على بحث سابق لنا مرتبط بهذا الموضوع بعنوان ( الحقيقة المحرّمة – اليهود وأعوانهم أعداؤنا ).
3 – يتابع المترجم حديثه في مقدمة الكتاب مؤكداً للقارئ العزيز أنه سيكتشف وجود ديانتين يهوديتين واحدة إنسانية نبيلة وأخرى عنصرية. ولقد ربط المترجم الديانة (الإنسانية النبيلة) بالأنبياء المتأخرين، يعني هذا اعتراف منه بعدم نبل ما جاء قبلهم أي اعتراف بعدم نبل، وانتفاء القيم الروحية من العقيدة اليهودية المتمثلة بالتوراة. ولأنّ المترجم لا يجرؤ على مخالفة ما رواه له الآباء الروحيين وما سمعه من تعاليمهم المشبوهة، عمد إلى ربط الديانة العنصرية بالتلمود، ونفاها عن التوراة المشبع بالأفكار العنصرية والدموية. وتحدث أنّ القرآن يؤكد على ذلك ويشير إلى النصوص المحرفة في التلمود .
لقد أخفى المترجم الحقيقة بستار الدين، وهكذا وبكل بساطة لأنه مدرك تماماً استحالة مناقشة هذا الموضوع، وبالتالي سيأخذه القارئ كما هو دون مناقشة تؤدي إلى معصية إلهية.حقيقة لم يأت القرآن على ذكر التلمود، فلماذا يحاول المترجم أن يُحافظ على قدسية التوراة الموجود حالياً؟!!. ولماذا يُحاول أن يربط الصهيونية بالتلمود فقط ؟!!!، وبالرغم من عدم إشارة الكتّاب الذين قدم لهم المترجم إلى ذلك، وبالرغم من أنّ الصهيونية تأخذ من الكتابين، وما يؤكد على ذلك هو السعي الموفق لربط التوراة ( العهد القديم) بالأناجيل الأربعة ( الحديث ). كما نشاهد حالياً. ولقد تحدث المترجم بذلك بالرغم من وقوعه في أخطاء واضحة تؤكد على التخبط في كتابته وذلك فقط ليرضي بالنهاية الثقافة الدينية المتوارثة ودون محاكمة أو مناقشة.هنا الكاتب يُصر ( لسبب أو لآخر ) على عدم توجيه أي نقد ولو خجول حتى للثقافة اليهودية، بل يحاول أن يجد لها مفر. لقد كان يتوجب على المترجم تبيان ذلك بالشواهد والأدلة وخاصة أنه ذكر أنه توجد نصوص في القرآن الكريم تؤكد ذلك ، وتؤكد على قيام الحركة الصهيونية بناء على التلمود وليس على التوراة.
هل حقاً تتسم العقيدة اليهودية بالنبل.. ؟ والحقيقة أننا لم نر ذلك في الكتاب، فأين وجد ذلك المترجم ؟ ومن أين حصل على هذا الاكتشاف ؟، لأنه إن وجد ذلك سيكون حتماُ اكتشاف عالمي بامتياز. إنّ ما ذكره الكاتب شاحاك منافي لكلام المترجم ونشاهد ذلك بقوله " …. أكثر الأساطير شيوعاً، وهي فكرة أنّ اليهودية ديانة توحيدية، وهي فكرة خاطئة،…… فالكثير من الأسفار تعترف بوجود أرباب أخرى وبقوتها، لكن (يهوى) وهو أقوى الأرباب ….). (ص 43).
كما أشار لذلك الكاتب روجيه جار ودي ( أسطورة يشوع : التطهير العرقي ص 225- 231 ).
إنّ جذب القارئ لإقناعه بهذه الأفكار وربطها بالديانة الإسلامية ( المحمّدية ) أمر ليس محبّذاً لاستدراج القارئ وتجميد العقل والفكر المنطقي عنده. فالدين بالشكل المأخوذ به هو بكل تأكيد غطاء للعقل بجدارة، و بذلك تبتعد المناقشة العقلية عن ذهن القارئ ويبقى أسير الفكرة المغلّفة بغطاء ديني يصعب نزعه.
4 – إذا انتقلنا إلى تمهيد المترجم سنجد أنّ المترجم يُحاول أن يُحمّل خطأ الانعزالية والتقوقع اليهودي للمجتمعات التي سكن فيها اليهود، وأنّ الوضع اليهودي تغير مع بداية القرن الثامن عشر.
إنّ من يدرس الثقافة والفكر اليهودي سواء من التوراة أو التلمود سيرى بوضوح أنّ الانعزالية والتقوقع والعنصرية بكل معانيها المادية والروحية من صلب الوصايا الإلهية: " متى اتى بك الرب الهك الى الارض التي انت داخل اليها لتمتلكها و ……. و لا تصاهرهم بنتك لا تعطي لابنه و بنته لا تاخذ لابنك" ( سفر التثنية: الإصحاح السابع _ 7 : 1,2,3) . وفي مكان آخر " … و لكن اذا رجعتم و لصقتم ببقية هؤلاء الشعوب اولئك الباقين معكم و صاهرتموهم و دخلتم اليهم و هم اليكم فاعلموا يقينا ان الرب الهكم لا يعود يطرد اولئك الشعوب من امامكم فيكونوا لكم فخا و شركا و سوطا على جوانبكم و شوكا في اعينكم حتى تبيدوا عن تلك الارض الصالحة التي اعطاكم اياها الرب الهكم" ( سفر يشوع: الإصحاح الثالث والعشرون _ 23: 9,10,11,12,13).والشواهد غير ذلك كثيرة … كما أنّ تعليل ذلك بظهور أطباء ووو… مع بداية القرن الثامن عشر. نسأل هل هؤلاء الأطباء وغيرهم دعوا خلال حياتهم اليهود إلى حياة اجتماعية وانفتاح على الشعوب. هذا ما لم يحصل وهنا نذكر قول المفكر السوري أنطون سعادة " … ظل اليهود بنوابغهم كا اليهود بلا نوابغهم …" 1925 ). باختصار لا يمكننا ربط الانعزالية وغيرها من صفات اليهودي بالصهيونية دون اليهودية فما تقوم به الصهيونية هو تطبيق صريح لما جاء في التوراة كتاب اليهود.
5 – أيضاً ما ذكره المترجم حول اليهودي المريض الذي يكره ذاته كما تنعته الصهيونية والموجود خارج فلسطين المحتلة. يجب أن ننوه هنا أنّ هذا الموضوع بحث عقائدي مرتبط باليهود نفسهم الذين ينقسمون في تأويل التوراة إلى من يرى وجوب العودة إلى فلسطين كحق وإرث شرعي وإلهي، وقسم يأبى العودة إلى فلسطين خوفاً من معصية إلهية، و خرق للوصية الربانية ( اليد الخفية – عبد الوهاب المسيري). كان الأجدر على المترجم أن لا يُخفي هذه الحقيقة وأن لا يعمل على الدفاع عن اليهودية كديانة من خلال إما جهل بالثقافة اليهودية أو محاولة لتغيير حقائق لأجل انتشار فكرة ابتعاد الصهيونية عن اليهودية لحماية أفكار دينية موروثة غير دقيقة .
6 – استمر المترجم بمبالغته حول اليهودية واليهود وأراد إظهار فلسفة لهم تتسم بالتسامح الديني حيث يقول:"……… الفلسفة التي دعا لها اليهود وحاربوا من أجلها لقرون، فاليهود…. يدعون لقيم التسامح الديني مع الأقليات، ويطالبون بان لا يقيم المجتمع الفرد على أساس دينه أو تفكيره أو أصله العرقي بل حسب سلوكه فحسب ".
أستغرب لهذا الكلام، هنا يمكننا أن نتأكد من ضعف المترجم من ناحية معلوماته حول الفكر اليهودي ونتأكد من عدم دراسته للتوراة والتلمود، أو إخفاءه للحقيقة لأسباب وأسباب…. لا نعرفها، جعلته يندفع باتجاه تزوير التاريخ، والقول بما هو غير واقعي وغير صحيح. حيث يقوم المترجم في تمهيده للكتاب برمي جمل غير مسؤولة، ولا علاقة لها بالأمانة التاريخية أو على الأقل بأمانة الكتابة….
لقد كان من الواجب الأخلاقي وأمانة الكتابة، إثبات هذه الصفات التي عمل على وضعها أوسمة على صدر اليهودية، وأن يوضّح بشكل مفصل هذه الفلسفة التي تتجلى بالتسامح الديني على حد زعمه، أو أن لا يتطرق لهذا الموضوع بهذه اللغة وبهذا المنطق. علماً أن محتوى الكتاب لا يُشير لما ذكره المترجم في تمهيده للكتاب كما ذكرنا سابقاً.
7 – يذكر المترجم في تمهيده ما يلي: "التناقض الواضح بين فكر اليهود المتفتح في الشتات، وانغلاق الفكر الصهيوني، يؤدي ……..، وإلى انحطاط القيم الأخلاقية لليهود في عصرنا،………وهذا التناقض الواضح بزيد من حدة معاداة السامية ". في الحقيقة لا يوجد تناقض، وأخلاق اليهودي موجودة بوضوح في التوراة وكذلك ضمن ما سجله التاريخ القديم والحديث والمعاصر، والذي جعل المترجم( الخائف من تهمة خرافة معاداة السامية ) يُلاحظ وجود تناقض هو عدم التطرق إلى البحث المتعلق بما ذكرناه سابقاً حول التباين في التأويل العقائدي في العودة وعدم العودة إلى فلسطين. وبناء على ذلك نشاهد صنفين: من يُدافع ومن يشجب عمل اليهود في فلسطين .
8 – من خلال قراءتنا لمقدمة وتمهيد المترجم سنجد خطأ فاضحاً شدّد عليه المترجم، حيث اعتبر اليهودية مثل باقي الأديان من حيث القيمة الروحية ويحاول المترجم أن يستشهد على ذلك من الأنبياء المتأخرين على حد زعمه (لماذا استثنى بقية الأنبياء!! ؟). هذا كله بالرغم من أنّ الكاتب إسرائيل شاحاك ابتعد عن هذا الاتجاه قي كتابه.ماذا نفهم من هذه النقطة من الكتابة للمترجم البراق عبد الهادي رضا ؟. نفهم التالي :
إما خطأ في البحث وضعف، وعدم الاستناد إلى الأدلة المنطقية.
محاولة الدفاع عن التوراة بصورة مباشرة وغير مباشرة ، حيث يريد المترجم من القارئ أن يُلغي الأسفار الأولى من التوراة والتي تضم أعمدة الديانة اليهودية ( أنبياء ) بحسب الإسلام ( المسيحي والمحمدي )، ولا نعرف إن كان السبب هو التهرب مما ورد في هذه الأسفار من فضائح تدين ما أراد المترجم حمايته. أي تدين التوراة الحالي ككتاب سماوي بحسب قول الكثيرين من رجال وعلماء دين(و كما يؤمن المترجم وكثيرين معه ) واليهودية الحالية كدين سماوي ( أيضاً بحسب تفكيره وبحسب ما أملي عليه من التوجهات الدينية المتحجرة ).
لقد عمد المترجم في مقدمته إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم في تناوله للصهيونية و التلمود ( وهذا طبعاً بعيد عن الحقيقة )، وهنا الكاتب يريد لأجل دعم القيم الروحية لليهودية الاستشهاد بأنبياء ( الأنبياء المتأخرين ) لم يرد ذكرهم حتى في القرآن الكريم.
بالرغم مما ذكره المترجم، عن صلاح الأنبياء المتأخرين ( والذي هنا يُدين ضمناً بقية الأنبياء ) كان عليه أن يذكر لنا أسماء هؤلاء المتأخرين لندحض أقواله حتماً. فما جاء في التوراة المزعوم من أوله إلى آخره أي من أنبياء متقدمين ومتأخرين ( حسب تصنيف المترجم ) لا يتمتعون وبحسب التوراة بشيء من القيم النبيلة والروحية السماوية المفروض أن تتجلى بهم، حال جميع الديانات السماوية.
9 – بالرغم من مدح المترجم لكتابات الكتّاب الذين ذكرهم فإنه نوّه إلى مبالغات وأخطاء لهم، وذكر أنه سيشير إلى ذلك من خلال ما سيكتبه في الهامش. وهكذا عندما ذهبنا وراء هذه المغالطات وتنويهات المترجم التي سجلها في الهامش وجدنا التنويه في ( الصفحة 59 و 82 ) فقط. وبالنظر إلى ما كتبه المترجم في الهامش تأكدنا من شيء مهم جداً وهو أنّ مقدمة المترجم وتمهيده للكتاب لم تكن كتابة مجردة من نزعة دينية، والتي لن تسمح له ولا لغيره من الوصول إلى حقيقة اليهود ومؤامراتهم. حيث كما تعرفون وتسمعون وتشاهدون لم يتم إلى الآن تحرير فلسطين التي ينادي الكثيرين إلى تحريرها من منطلق أنها وقف سماوي، وبالعكس هناك سعي واضح من الكثير من دول العالم الإسلامي لتسليمها قطعة قطعة لليهود ومن دون أدنى خجل ، وعندما يريد أحد، والأولى بحمايتها وتحريرها (أبناء الأمة السورية بمختلف أطيافهم وعقائدهم ) ينعتونهم بالكفر وو… ويحرّضون على قتلهم. والحال وجدناه أيضاً مع الاحتلال العثماني الذي هو بنظر عدد لا بأس بهم فتح إسلامي، والنتيجة لهذا( الفتح الإسلامي ) هي اقتطاع أجزاء من وطننا، وكذلك التمهيد لدخول اليهود إلى فلسطين، وكل ذلك بالتعاون مع الغرب الاستعماري. وكان الكثيرين من رجال الدين آنذاك وبالأخص المقربين من السلاطين يمنعون الثورات وحركات المقاومة وينعتونهم بالكفار وتصدر بحقهم فتاوى الاستباحة والقتل وو…
10 – أخيراً نصل إلى ما هو أهم شيء في مقدمة وتمهيد المترجم حيث وضّح في النهاية الحل الذي يتوجه إليه الكتّاب الذين ترجم لهم " أما الحل الذي يقدمه جميع مؤلفي هذا الكتاب للقضية اليهودية فهو أن يندمج اليهود بشكل أفضل في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، وألا يحتاجوا للهجرة والحياة في جيتو كبير _ إسرائيل_ حيث تسود قيم العنصرية والعنف في التعامل مع من ينتمون لأي عنصر آخر. وفي إسرائيل ذاتها، لا بد من صناعة قوانين أكثر إنسانية، والسماح لمن هجّروا بالعودة إلى ديارهم ".
صراحة إنّ هذا الحل لا يتناسب ومسألتنا الفلسطينية، ومع احترامنا لما يليق لهؤلاء الكتّاب من الاحترام فإنهم لم يأتوا بشيء جديد لنا، وبالتالي الحلول المقدمة ( وبحسب رأي المترجم )، لا تلبي ولا بأي شكل من أشكالها المصالح القومية العليا لأمتنا. وهذا ما كان على الكاتب أن يشير إليه في مقدمته وتمهيده للكتاب، إذ كان الواجب عليه، أن يضع تنويهاً لذلك بفسحة على الهامش، والإشارة إلى أنها من إحدى أهم المغالطات، التي لم يتطرق إليها الكتّاب رغم أهميتها لمسألتنا الفلسطينية بالدرجة الأولى. أما أن ننهي الموضوع بحل ( للقضية اليهودية ) كما أحبّ المترجم أن يصف ذلك، ومن دون التنويه حتى للمسألة الفلسطينية فهذا بالتأكيد يُقلل وإلى درجة كبيرة جداً من أهمية الكتاب وأمانته ( سواء من وجهة نظر قومية أو حتى دينية). وعلى عكس ما ذكره المترجم في نهاية مقدمته من أنّ هذا الكتاب يسعى لتنوير القارئ في العالم العربي ، فإننا نقول، أنّ هذا الكتاب يسعى لتضليل القارئ في العالم العربي من خلال مقدمته والتمهيد، وإن المترجم قاصداً كان أو غير قاصد، ساهم في هذا التضليل، وذلك بما أتى إلينا حالياً من دعوات لليهود لحوار الأديان، والدعوة لتشكيل منظمة إقليمية تضم إسرائيل ، والدعوة للانفتاح على إسرائيل من خلال وسائل الإعلام بداية للوصول إلى السلام، بالإضافة لاتفاقيات السلام السابقة والتطبيع وو ….
إنّ ما نصبوا إليه في ملاحظاتنا هذه هو التأكيد على غير ما حاول المترجم أن يؤكد عليه، أي للتأكيد على تلازم وتساوي مساري الصهيونية واليهودية، وأنهما وجهان لعملة واحدة، وهذا ما أثبتناه في كتابات سابقة. إنّ كتابتنا هذه جاءت لتنفي دعوة الكاتب إلى عدم الخلط بين اليهودية والصهيونية. فنقول للكاتب أنه من الخطأ عدم الخلط بين اليهودية والحركة الصهيونية، ومن الخطأ عدم الاعتراف بامتزاجهما، ومن الخطأ عدم القول بأنّ اليهودية هي الغذاء الروحي للصهيونية، ومن الخطأ عدم القول بأنّ الصهيونية هي البعد القومي والسياسي والتطبيق الفعلي لليهودية. وإن كان المترجم ذكر جمله من دون إثبات ولا دليل فنحن قد أثبتنا ذلك من خلال ما ترجمه، ومن خلال كتابات سابقة لنا ( الحقيقة المحرّمة – اليهود وأعوانهم أعداؤنا ).
لذلك إنّ الكتاب، مع هذه المقدمة والتمهيد الذي أراد من خلالهما المترجم توجيه القارئ منذ البداية باتجاه محدد ومعين ، لن يكون تنوير للقارئ في العالم العربي بل على العكس من ذلك، ونحن نرى أنه من الأفضل مراجعة القارئ في العالم العربي لكتابات هؤلاء الكتّاب، دون الرجوع إلى مقدمة وتمهيد المترجم، مع تقديمنا له كل ما يليق به من الاحترام.